فصل: مواقيت الصّلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


سقوط المهر

يسقط المهر بأسباب، منها‏:‏

أ - الفرقة بغير الطّلاق قبل الدخول‏:‏

48 - يرى جمهور الفقهاء أنّ كلّ فرقة حصلت بغير طلاق قبل الدخول وقبل الخلوة تسقط جميع المهر، سواء كانت من قبل المرأة أو من قبل الزّوج‏.‏

وإنّما كان كذلك لأنّ الفرقة بغير طلاق تكون فسخاً للعقد، وفسخ العقد قبل الدخول يوجب سقوط كلّ المهر، لأنّ فسخ العقد رفعه من الأصل وجعله كأن لم يكن‏.‏

ومن أمثلة هذا النّوع من الفرقة عند الحنفيّة خيار البلوغ، وخيار العتق، واختيار المرأة نفسها لعيب والعنَّة والخصاء والخنوثة‏.‏

ومثّل الحنابلة لهذه الفرقة باللّعان قبل الدخول، وفسخ الزّوج النّكاح لعيب الزّوجة قبل الدخول وعكسه ككون الزّوج عنّيناً أو أشلّ ونحوه قبل الدخول‏.‏

والشّافعيّة يتّفقون مع جمهور الفقهاء في أصل سقوط المهر عند حصول الفرقة من جهة الزّوجة قبل الدخول بها، أو عند حصول الفرقة بسببها، إلّا أنّهم يختلفون مع الجمهور في تطبيقات هذا الأصل إذ يذكرون من أمثلة النّوع الأوّل‏:‏ إسلام الزّوجة بنفسها أو بالتّبعيّة، وفسخها بعيبه، أو بعتقها تحت رقيق، أو ردّتها، أو إرضاعها زوجة زوجها الصّغيرة‏.‏ ومن ضمن أمثلة النّوع الثّاني من الفرقة‏:‏ فسخ الزّوج النّكاح بعيبها‏.‏

أمّا الفرقة الّتي لا تكون منها ولا بسببها كالطّلاق وإسلام الزّوج وردّته ولعانه وإرضاعه أمّ الزّوج لها، أو إرضاع أمّ الزّوجة له وهو صغير فإنّها تنصّف المهر‏.‏

ب - الإبراء‏:‏

49 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ الإبراء عن كلّ المهر قبل الدخول وبعده إذا كان المهر ديناً فإنّه يسقطه كلّه، لأنّ الإبراء إسقاط والإسقاط ممّن هو من أهل الإسقاط في محل قابل للسقوط يوجب السقوط‏.‏

وقال الحنابلة إن طلّق زوجٌ زوجته قبل الدخول بها فأي الزّوجين عفا لصاحبه عمّا وجب له بالطّلاق من نصف المهر عيناً كان أو ديناً، - والعافي جائز التّصرف - برئ منه صاحبه، وإن كان المعفو عنه عيناً بيد أحدهما فلمن بيده العين أن يعفو بلفظ العفو والهبة والتّمليك، ولا يصح بلفظ الإبراء والإسقاط لأنّ الأعيان لا تقبل ذلك أصالةً، وإن عفا غير الّذي هو في يده - زوجاً كان العافي أو زوجةً - صحّ العفو بهذه الألفاظ كلّها‏.‏

وإذا أبرأته من صداقها ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع الزّوج على زوجته بنصف الصّداق‏.‏

وإن أبرأته من نصف الصّداق ثمّ طلّقها الزّوج قبل الدخول رجع في النّصف الباقي‏.‏ وللتّفصيل في شروط الإبراء وألفاظه والفرق بينه وبين الهبة ‏(‏ر‏:‏ إبراء ف / 12 وما بعدها، هبة‏)‏‏.‏

ج - الهبة‏:‏

50 - عدّ الحنفيّة هبة كلّ المهر قبل القبض من أسباب سقوط المهر كلّه‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ المهر لا يخلو‏:‏ إمّا أن يكون عيناً وإمّا أن يكون ديناً، والحال لا يخلو‏:‏ إمّا أن يكون قبل القبض وإمّا أن يكون بعد القبض، وهبت كلّ المهر أو بعضه‏.‏

فإن وهبته كلّ المهر قبل القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول فلا شيء له عليها، سواء كان المهر عيناً أو ديناً‏.‏

وإن وهبت بعد القبض‏:‏ فإن كان الموهوب عيناً فقبضه، ثمّ وهبه منها لم يرجع عليها بشيء، لأنّ الّذي تستحقه بالطّلاق قبل الدخول هو نصف الموهوب بعينه وقد رجع إليه بعقد، لا يوجب الضّمان، فلم يكن له الرجوع عليها، وإن كان ديناً في الذّمّة فإن كان حيواناً أو عرضاً فكذلك لا يرجع عليها بشيء، وإن كان دراهم أو دنانير معيّنةً أو غير معيّنة، أو مكيلاً أو موزوناً سوى الدّراهم والدّنانير فقبضته ثمّ وهبته منه ثمّ طلّقها يرجع عليها بنصف مثله‏.‏

وكذلك إذا كان المهر ديناً فقبضت الكلّ ثمّ وهبت البعض فللزّوج أن يرجع عليها بنصف المقبوض، لأنّ له أن يرجع عليها إذا وهبت الكلّ فإذا وهبت البعض أولى‏.‏

وإذا قبضت النّصف، ثمّ وهبت النّصف الباقي، أو وهبت الكلّ، ثمّ طلّقها قبل الدخول بها قال أبو حنيفة‏:‏ لا يرجع الزّوج عليها بشيء، وقال أبو يوسف ومحمّد‏:‏ يرجع عليها بربع المهر‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا وهبت الزّوجة من زوجها جميع صداقها ثمّ طلّقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء وكأنّها عجّلت إليه بالصّداق‏.‏

ولو وهبت منه نصف الصّداق، ثمّ طلّقها فله الربع، وكذلك إن وهبته أكثر من النّصف أو أقلّ فله نصف ما بقي لها بعد الهبة‏.‏

ولو وهبته لأجنبيّ فقبضه مضى له ويرجع الزّوج على الزّوجة بالنّصف‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا وهبت المرأة لزوجها صداقها ثمّ طلّقها قبل الدخول طلاقاً يملك به نصف الصّداق لم يخل الصّداق الموهوب من أحد أمرين‏:‏ إمّا أن يكون عيناً، أو ديناً‏.‏

فإن كان عيناً، فسواء وهبته قبل قبضه أو بعد قبضه هل له الرجوع عليها بنصف بدله ‏؟‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ وهو قول الشّافعيّ في القديم، وأحد قوليه في الجديد واختاره المزني أنّه لا يرجع عليها بشيء‏.‏

والقول الثّاني‏:‏ وهو قوله في الجديد، أنّه يرجع عليها بنصفه وهو الأظهر‏.‏

وإن كان الصّداق ديناً لها على زوجها فأبرأته منه، ثمّ طلّقها قبل الدخول لم يرجع عليها بشيء على المذهب، لأنّها لم تأخذ منه مالاً ولم تتحصّل منه على شيء‏.‏

والطّريق الثّاني طرد قولي الهبة، ولو قبضت الدّين ثمّ وهبته له فالمذهب أنّه كهبة العين‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ إذا أصدق امرأته عيناً فوهبتها له ثمّ طلّقها قبل الدخول بها فعن أحمد فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يرجع عليها بنصف قيمتها وهو اختيار أبي بكر، لأنّها عادت إلى الزّوج بعقد مستأنف فلا تمنع استحقاقها بالطّلاق، كما لو عادت إليه بالبيع أو وهبتها لأجنبيّ ثمّ وهبتها له‏.‏

والرّواية الثّانية‏:‏ لا يرجع عليها إلّا أن تزيد العين أو تنقص ثمّ تهبها له، لأنّ الصّداق عاد إليه ولو لم تهبه لم يرجع بشيء وعقد الهبة لا يقتضي ضماناً ولأنّ نصف الصّداق تعجّل له بالهبة‏.‏

فإن كان الصّداق ديناً فأبرأته منه فإن قلنا لا يرجع ثمّ فهاهنا أولى، وإن قلنا يرجع ثمّ خرج هاهنا وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يرجع لأنّ الإبراء إسقاط حق وليس بتمليك كتمليك الأعيان ولهذا لا يفتقر إلى قبول‏.‏

والثّاني‏:‏ يرجع لأنّه عاد إليه بغير الطّلاق فهو كالعين والإبراء بمنزلة الهبة ولهذا يصح بلفظها وإن قبضت الدّين منه ثمّ وهبته له ثمّ طلّقها فهو كهبة العين لأنّه تعيّن بقبضه، ويحتمل أن لا يرجع لأنّه عاد إليه ما أصدقها فأشبه ما لو كان عيناً فقبضتها ثمّ وهبتها أو وهبته العين أو أبرأته من الدّين ثمّ فسخت النّكاح بفعل من جهتها كإسلامها أو ردّتها أو إرضاعها لمن ينفسخ نكاحها برضاعه ففي الرجوع بجميع الصّداق عليها روايتان كما في الرجوع بالنّصف سواء‏.‏

اقتران المهر بشرط

51 - قد يقترن المهر بشرط ومن ذلك‏:‏

أ - أن يسمّي الزّوج لزوجته في العقد مهراً أقلّ من مهر مثلها ويشرط فيه منفعةً مباحةً شرعاً للزّوجة، أو لأحد محارمها - كأن يكون مهر مثلها خمسمائة دينار، وسمّى لها ثلاثمائة دينار على شرط ألّا يسافر بها، أو ألّا يتزوّج عليها - فإن تحقّق الشّرط وجب المسمّى، وإن لم يتحقّق الشّرط وجب لها مهر مثلها، لأنّ الزّوجة ما رضيت بما دون مهر مثلها إلّا لتحقيق المنفعة المشروطة لها‏.‏

وإن كان الشّرط مضرّةً لها، كأن يتزوّج عليها، أو منفعةً غير مباحة شرعاً، كأن يسقيها خمراً، أو كانت المنفعة لأجنبيّ عنها، وجب المهر المسمّى، لأنّ المنفعة إذا كانت غير مباحة لا يجوز الوفاء بها، ولا يستحق بفواتها العوض، وإذا كانت المنفعة لأجنبيّ عنها تكون غير مقصودة لأحد العاقدين، فيجب المهر المسمّى في العقد‏.‏

ب - أن يسمّي الزّوج لزوجته مهراً أكثر من مهر مثلها ويشترط عليها شرطاً مرغوباً فيه كأن يكون مهر مثلها خمسمائة دينار، وسمّى لها مهراً ألف دينار، بشرط أن تكون بكراً، فإن تحقّق الشّرط وجب المسمّى، وإن لم يتحقّق وجب مهر المثل، لأنّه ما رضي بالزّيادة عن مهر المثل إلّا لهذا الوصف المرغوب فيه‏.‏

ج - أن يسمّي الزّوج لزوجته مهراً على شرط، ويسمّي لها مهراً آخر على شرط، آخر كأن يتزوّجها على ألف دينار إن كانت متعلّمةً، وعلى خمسمائة دينار إن كانت غير متعلّمة‏.‏ قال أبو حنيفة‏:‏ التّسمية الأولى صحيحة، فإذا تحقّق الشّرط وجب المشروط، وأمّا التّسمية الثّانية فغير صحيحة، لأنّها لم تصادف محلاً، لوقوعها بعد الأولى الصّحيحة، فإن كانت غير متعلّمة وجب مهر المثل لا المسمّى، ولا يزيد على ألف دينار، لرضاها به، ولا ينقص عن خمسمائة دينار لرضاه بها‏.‏

وقال الصّاحبان‏:‏ التّسميتان صحيحتان، فإن كانت متعلّمةً وجب لها المسمّى الأوّل، وهو ألف دينار، وإن كانت غير متعلّمة وجب المسمّى الثّاني، وهو خمسمائة دينار، لأنّهما اتّفقا عليه، وهذا هو الرّأي الرّاجح في المذهب الحنفيّ‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو عُقِد بألف من الدّراهم مثلاً وشُرِط على الزّوج إن كانت له زوجة فألفان، فيفسخ قبل البناء للشّكّ في قدر الصّداق حال العقد فأثّر خللاً في الصّداق، ويثبت بعده بصداق المثل، بخلاف تزوجها بألف على أن لا يخرجها من بلدها أو لا يتزوّج عليها، أو إن أخرجها من بلدها أو بيت أبيها أو تزوّج أو تسرّى عليها فألفان فصحيح إذ لا شكّ في قدره حال العقد، والشّك في الزّائد متعلّق بالمستقبل، أي من حيث المعلّق عليه فإنّه أمر يحصل في المستقبل والأصل عدمه، فالغرر فيه أخف من الواقع في الحالّ، ولا يلزم الزّوج الشّرط وهو عدم التّزوج والإخراج، وإنّما يستحب الوفاء به إن وقع، وكره هذا الشّرط لما فيه من التّحجير عليه كما يكره عدم الوفاء به فالشّرط يكره ابتداءً، فإن وقع أستحبّ الوفاء به وكره عدمه، ولا يلزمه الألف الثّانية إن خالف بأن أخرجها أو تزوّج‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو نكح امرأةً بألف على أنّ لأبيها ألفاً أو أن يعطيه ألفاً فالمذهب فساد الصّداق في الصورتين، لأنّه جعل بعض ما التزمه في مقابلة البضع لغير الزّوجة، ووجوب مهر المثل فيهما لفساد المسمّى، والطّريق الثّاني فساده في الأولى دون الثّانية، لأنّ لفظ الإعطاء لا يقتضي أن يكون المعطى للأب‏.‏

ولو شرط أحد الزّوجين خياراً في المهر فالأظهر صحّة النّكاح لأنّ فساد الصّداق لا يؤثّر في النّكاح لا المهر فلا يصح في الأظهر بل يفسد، ويجب مهر المثل لأنّ الصّداق لا يتمحّض عوضاً بل فيه معنى النّحلة فلا يليق به الخيار، والمرأة لم ترض بالمسمّى إلّا بالخيار، والثّاني يصح المهر أيضاً لأنّ المقصود منه المال كالبيع فيثبت لها الخيار، والثّالث يفسد النّكاح لفساد المهر أيضاً‏.‏

وقالوا‏:‏ لو نكحها على ألف إن لم يخرجها من البلد وعلى ألفين إن أخرجها وجب مهر المثل‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن تزوّجها على ألف إن كان أبوها حيّاً وألفين إن كان ميّتاً، لم يصحّ‏.‏ نصّ عليه وهو المذهب، ونصّ أحمد على وجوب مهر المثل‏.‏

وإن تزوّجها على ألف إن لم تكن له زوجة وألفين إن كانت له زوجة، لم يصحّ‏.‏ قال في الخلاصة‏:‏ على الأصحّ، قال المرداوي‏:‏ والمنصوص أنّه يصح، وهو المذهب‏.‏ ونصّ أحمد على صحّة التّسمية، وكذا الحكم لو تزوّجها على ألف إن لم يخرجها من دارها وعلى ألفين إن أخرجها‏.‏

قبض المهر وتصرف الزّوجة فيه

52 - قال الحنفيّة‏:‏ للأب قبض صداق ابنته البكر صغيرةً كانت أو بالغةً، ويبرأ الزّوج بقبضه، أمّا الصّغيرة فلا شكّ فيه لأنّ له ولاية التّصرف في مالها، وأمّا البالغة فلأنّها تستحيي من المطالبة به بنفسها كما تستحيي عن التّكلم بالنّكاح فجعل سكوتها رضاً بقبض الأب كما جعل رضاً بالنّكاح، ولأنّ الظّاهر أنّها ترضى بقبض الأب لأنّه يقبض مهرها فيضم إليه أمثاله فيجهّزها به، هذا هو الظّاهر فكان مأذوناً بالقبض من جهتها دلالةً حتّى لو نهته عن القبض لا يتملّك القبض ولا يبرأ الزّوج، وكذا الجد يقوم مقامه عند عدمه‏.‏

وإن كانت ابنته عاقلةً وهي ثيّب فالقبض إليها لا إلى الأب، ويبرأ الزّوج بدفعه إليها ولا يبرأ بالدّفع إلى الأب، وما سوى الأب والجدّ من الأولياء ليس لهم ولاية القبض سواء كانت صغيرةً أو كبيرةً إلّا إذا كان الولي هو الوصي فله حق القبض إذا كانت صغيرةً كما يقبض سائر ديونها، وليس للوصيّ حق القبض إلّا إذا كانت صغيرةً‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ وليّ الزّوجة المجبر وهو الأب أو وصيه هو الّذي يقوم بتولّي قبض مهرها، فإن لم يكن لها أب مجبر، وكانت رشيدةً، فهي الّتي تقوم بقبض مهرها، أو من توكّله عنها في قبضه، وإن كانت سفيهةً فالّذي يتولّى قبض مهرها ولي مالها، فإن لم يكن فالقاضي أو من ينوب عنه يقبض مهرها‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ للأب قبض صداق ابنته الصّغيرة بغير إذنها وهذا بلا نزاع عند الحنابلة، ولا يقبض صداق ابنته الثّيّب الكبيرة إلّا بإذنها إذا كانت رشيدةً، فإن كانت محجوراً عليها فله قبضه بغير إذنها، وفي البكر البالغ روايتان، إحداهما‏:‏ لا يقبض إلّا بإذنها وهو المذهب عند الشّافعيّة والحنابلة، والثّانية يقبضه بغير إذنها مطلقاً‏.‏

53 - وللمرأة - سواء أكانت بكراً أم ثيّباً - ولاية التّصرف في مهرها بكلّ التّصرفات الجائزة لها شرعاً، ما دامت كاملة الأهليّة، كما هو الشّأن في تصرف كلّ مالك في ملكه، فلها أن تشتري به، وتبيعه، وتهبه لأجنبيّ أو لزوجها، وليس لأحد حق الاعتراض على تصرفها، كما ليس لأحد أن يجبرها على ترك شيء من مهرها لزوجها أو لغيره، ولو كان أباها أو أمّها، لأنّ المالك لا يجبر على ترك شيء من ملكه، ولا على إعطائه لغيره، ويورث عنها مهرها بوصفه من سائر أموالها، مع مراعاة أن يكون من ضمن ورثتها، وهذا عند جمهور الفقهاء‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تملك الزّوجة الصّداق المسمّى بالعقد، فإن كان الصّداق معيّناً كالعبد والدّار والماشية فلها التّصرف فيه لأنّه ملكها فكان لها ذلك كسائر أملاكها ونماؤه المتّصل والمنفصل لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها سواء قبضته أو لم تقبضه، لأنّ ذلك كلّه من توابع الملك، إلّا أن يتلف الصّداق المعيّن بفعلها فيكون إتلافه قبضاً منها، وإن كان الصّداق غير معيّن كقفيز من صبرة ملكته بالعقد، وإن لم يدخل في ضمانها إلّا بقبضه ولم تملك التّصرف فيه إلّا بقبضه كمبيع‏.‏

هلاك المهر واستهلاكه واستحقاقه

54 - قال الحنفيّة‏:‏ إذا هلك المهر في يد الزّوجة أو استهلكته بعد أن قبضته فلا ترجع على الزّوج بشيء لبراءة ذمّته من المهر بعد دفعه إليها‏.‏

وإذا استهلكه غيرها كان ضمانه على من استهلكه، سواء أكان المستهلك الزّوج أم غيره‏.‏ وأمّا إذا هلك في يد الزّوج، أو استهلكه قبل أن تقبضه الزّوجة فهو ضامن لمثله، أو قيمته، سواء هلك من نفسه أو من فعل الزّوج‏.‏

وإذا استهلكه أجنبيّ فهو ضامن له، والزّوجة بالخيار بين تضمين الزّوج وتضمين الأجنبيّ المستهلك، فإن ضمنت الزّوج رجع على المستهلك بقيمة ما استهلكه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا قبضت الزّوجة الصّداق قبل الدخول، وهلك بيدها فضمانه منها، أمّا لو كان فساده لعقده وكان فيه المسمّى، ودخل الزّوج بزوجته كان ضمانها للصّداق بمجرّد العقد كالصّحيح سواء قبضته أو كان بيد الزّوج كما يؤخذ من الأجهوريّ‏.‏

فالمالكيّة يرون أنّ المهر إن تلف في يد أحد الزّوجين، ولم يقم دليل على هلاكه فخسارته على من هو في يده، وأمّا إذا كانت هناك بيّنة على هلاكه فضمانه على الزّوجين‏.‏

وقال الشّافعيّة في الأظهر‏:‏ إنّ الزّوج إذا أصدق زوجته عيناً يمكن تقويمها، فتلفت العين في يده قبل القبض ضمنها ضمان عقد لا ضمان يد، وقيل ضمان يد، والفرق بين ضماني العقد واليد في الصّداق، أنّه على الأوّل يضمن بمهر المثل، وعلى الثّاني يضمن بالبدل الشّرعيّ وهو المثل إن كان مثليّاً، والقيمة إن كان متقوّماً‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ الصّداق إذا كان معيّناً فوجدت به عيباً فلها رده كالمبيع المعيب، قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في هذا خلافاً إذا كان العيب كثيراً، فإن كان يسيراً فحكي أنّه لا يرد به‏.‏ لأنّه عيب يرد به المبيع فردّ به الصّداق كالكثير، وإذا ردّ به فلها قيمته، لأنّ العقد لا ينفسخ بردّه فيبقى سبب استحقاقه فيجب عليه قيمته كما لو غصبها إيّاه فأتلفه‏.‏

وإن كان الصّداق مثليّاً كالمكيل والموزون فردّته فلها عليه مثله لأنّه أقرب إليه، وإن اختارت إمساك المعيب وأخذ أرشه فلها ذلك في قياس المذهب‏.‏

وإذا تزوّجها على عبد بعينه تظنه عبداً مملوكاً فخرج حراً أو مغصوباً فلها قيمته لأنّ العقد وقع على التّسمية فكانت لها قيمته كالمغصوب، ولأنّها رضيت بقيمته، إذ ظنّته مملوكاً فكان لها قيمته كما لو وجدته معيباً فردّته، بخلاف ما إذا قال‏:‏ أصدقتك هذا الحرّ أو هذا المغصوب فإنّها رضيت بلا شيء لرضاها بما تعلم أنّه ليس بمال أو بما لا يقدر على تمليكه إيّاها فكان وجود التّسمية كعدمها فكان لها مهر المثل‏.‏

فإن أصدقها مثليّاً فبان مغصوباً فلها مثله لأنّ المثل أقرب إليه ولهذا يضمن به في الإتلاف‏.‏ وقالوا‏:‏ إذا قبضت الزّوجة الصّداق وسلّمت نفسها ثمّ اتّضح أنّ الصّداق معيب كان لها منع نفسها حتّى تقبض بدله، أو أرشه، لأنّها إنّما سلّمت نفسها ظناً منها أنّها قبضت صداقها، فتبيّن عدمه‏.‏

وأمّا بالنّسبة لاستحقاق المهر فينظر تفصيله في مصطلح ‏(‏استحقاق ف / 33‏)‏‏.‏

الاختلاف في المهر

الاختلاف في المهر أنواع‏:‏

أ - الاختلاف في أصل التّسمية‏.‏

ب - الاختلاف في مقدار المهر المسمّى في العقد‏.‏

ج - الاختلاف في قبض شيء من المهر‏.‏

أ - الاختلاف في أصل التّسمية‏:‏

55 - قال الحنفيّة‏:‏ إذا ادّعى أحد الزّوجين أنّه سمّى مهراً معلوماً كألف دينار مثلاً، وأنكر الآخر حصول التّسمية فالبيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، فإن أقام مدّعي التّسمية البيّنة قضي بالمسمّى الّذي ادّعاه، وإن عجز عن إقامتها، وجّهت اليمين بطلبه إلى منكر التّسمية، فإن نكل عن اليمين، حكم عليه بسبب نكوله، لأنّه بمثابة اعتراف منه بدعوى المدّعي‏.‏

وإن حلف أنّه لم يحصل تسمية أصلاً، رفضت دعوى التّسمية، لعدم ثبوتها، وحينئذٍ يحكم القاضي بمهر المثل باتّفاق أئمّة الحنفيّة، لأنّه هو الواجب الأصلي بعقد الزّواج، ويشترط ألّا ينقص مهر المثل عمّا ادّعاه الزّوج إن كان هو المدّعي، لرضاه بالمسمّى الّذي ادّعاه، وألّا يزيد عمّا ادّعته الزّوجة، إن كانت هي المدّعية لرضاها بما ادّعت تسميته‏.‏

وهذا الحكم السّابق إنّما يكون إذا كان الاختلاف بين الزّوجين في حالة تستحق فيها الزّوجة المهر كاملاً، بأن كانت الزّوجيّة الصّحيحة قائمةً، أو حصلت فرقة، ولكن بعد وجود ما يوجب المهر كاملاً من دخول حقيقي أو حكمي‏.‏

وأمّا إذا كان الاختلاف بعد الفرقة، وقبل الدخول حقيقةً أو حكماً - وثبتت التّسمية بالبيّنة، أو بالنكول عن اليمين عند العجز عن إقامة البيّنة - حكم القاضي برفض دعوى التّسمية لعدم ثبوتها، فالواجب المتعة لأنّها تجب بعد الطّلاق قبل الدخول والخلوة، عند عدم تسمية مهر في العقد، ولأنّها تقوم مقام نصف مهر المثل، على ألّا تنقص عن نصف ما سمّاه الزّوج، إن كان هو المدّعي، وألّا تزيد على نصف المهر الّذي تدّعيه الزّوجة إن كانت هي المدّعية‏.‏

وإن كان الاختلاف بين أحد الزّوجين وورثة الآخر، أو بين ورثتهما، فالحكم في هذه الحالة كالحكم في الاختلاف بين الزّوجين، وهذا قول الصّاحبين‏.‏

وأمّا الإمام أبو حنيفة فيخالف صاحبيه فيما إذا كان الاختلاف بين الزّوجين، وطال العهد بموت الزّوجين وموت أقرانهما، ويرى أنّه لا يحكم بشيء إن عجز ورثة الزّوجة عن إقامة البيّنة على دعواهم، لعدم معرفة مهر المثل، لتقادم عهد الموت‏.‏

وإذا أمكن معرفة المثل، لعدم تقادم عهد الموت، فالإمام وصاحباه متّفقون على وجوب مهر المثل بعد اليمين‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن أقام أحد الزّوجين البيّنة على دعواه قضي له بما ادّعاه، وإن لم يقم البيّنة كان القول قول من يشهد له العرف في صحّة التّسمية، وعدمها مع اليمين، فإذا ادّعى الزّوج أنّه تزوّجها تفويضاً عند معتاديه، وادّعت هي التّسمية فالقول للزّوج بيمين، ولو بعد الدخول، أو الموت، أو الطّلاق فيلزمه أن يفرض لها صداق المثل بعد البناء، ولا شيء عليه في الطّلاق أو الموت قبل الدخول بها، فإن كان المعتاد التّسمية، فالقول لها بيمين، وثبت النّكاح‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ الزّوجة لو ادّعت تسميةً لقدر أكثر من مهر مثلها، فأنكر زوجها بأن قال لم تقع تسمية، ولم يدّع تفويضاً، تحالفا في الأصحّ، لأنّ حاصله الاختلاف في قدر المهر، لأنّه يقول‏:‏ الواجب مهر المثل، وهي تدّعي زيادةً عليه، والثّاني‏:‏ يصدّق الزّوج بيمينه، لموافقته للأصل، ويجب مهر المثل، ولو ادّعى تسميةً لقدر أقلّ من مهر المثل فأنكرت الزّوجة ذكرها تحالفا أيضاً على الأصحّ، وبالتّحالف تنتفي الدّعوى، ويبقى العقد بدون تسمية، وحينئذٍ يجب مهر المثل‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف الزّوجان أو ورثتهما، أو أحدهما وولي الآخر أو وارثه في تسمية المهر بأن قال‏:‏ لم نسمّ مهراً، وقالت‏:‏ سمّى لي مهر المثل، فالقول قول الزّوج بيمينه في إحدى الرّوايتين، لأنّه يدّعي ما يوافق الأصل، وهو الصّواب - كما قال المرداوي -، ولها مهر المثل على كلتا الرّوايتين إن وجد ما يقرّره، فإن طلّق ولم يدخل بها فلها المتعة بناءً على أنّ القول قوله في عدم التّسمية فهي مفوّضة‏.‏

وعلى الرّواية الأخرى لها نصف مهر المثل لأنّه المسمّى لها لقبول قولها فيه‏.‏

ب - الاختلاف في مقدار المهر المسمّى‏:‏

56 - إذا اختلف الزّوجان في مقدار المهر المسمّى بأن ادّعت الزّوجة أنّه ألف دينار، وادّعى الزّوج أنّه خمسمائة دينار‏.‏

فقد اختلف فقهاء الحنفيّة في هذه القضيّة‏:‏ فقال أبو حنيفة ومحمّد‏:‏ إنّ كلّ واحد منهما مدّع ومنكر، فأيهما أقام بيّنةً على دعواه قضي له بها‏.‏

وإن أقاما بيّنتين، فإن كان مهر المثل يشهد لإحدى البيّنتين كانت مرجوحةً، والبيّنة الأخرى راجحة، لأنّ البيّنات شرعت لإثبات خلاف الظّاهر، والظّاهر هنا مهر المثل، فالبيّنة الّتي تخالفه راجحة‏.‏

مثال ذلك‏:‏ إذا أقام الزّوج بيّنةً على أنّ المهر المسمّى خمسمائة دينار، وأقامت الزّوجة بيّنةً على أنّه ألف دينار، فإن كان مهر مثلها خمسمائة أو أقلّ، رجحت بيّنتها، وحكم لها بألف دينار، وإن كان مهر مثلها ألف دينار أو أكثر رجحت بيّنته، وحكم لها بخمسمائة دينار‏.‏

وإن لم يشهد مهر المثل لإحدى البيّنتين، فإن كان أكثر ممّا ادّعى الزّوج، أو أقلّ ممّا ادّعته الزّوجة، تهاترت البيّنتان، وحكم بمهر المثل‏.‏

وإن لم يكن لأحدهما بيّنة كان القول لمن يشهد له مهر المثل بيمينه، فإن لم يشهد لأحدهما تحالفا وبدئ بتحليف الزّوج فإن نكل أحدهما حكم عليه بما ادّعاه خصمه، وإن حلفا حكم بمهر المثل‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ إنّ الزّوجة تدّعي الزّيادة والزّوج ينكرها، فتكون البيّنة على الزّوجة، واليمين على الزّوج، لأنّه منكر للزّيادة‏.‏ فإن قامت البيّنة على دعواها قضي لها بها، وإن عجزت عن إقامتها وطلبت تحليف الزّوج وجّهت إليه اليمين، فإن نكل عن اليمين حكم لها بدعواها، وإن حلف الزّوج اليمين حكم له بالقدر الّذي ذكره إلّا إذا كان ما ادّعاه أقلّ من مهر مثلها، فيحكم بمهر المثل‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن تنازعا في قدر المهر كأن يقول الزّوج‏:‏ عشرة وتقول هي‏:‏ بل خمسة عشر، أو في صفته بأن قالت‏:‏ بدنانير محمّديّة، وقال‏:‏ بل يزيديّة، وكان اختلافهما قبل البناء‏,‏ فالقول لمدّعي الأشبه بيمينه‏,‏ فإن نكل حلف الآخر وثبت النّكاح ولا فسخ‏.‏

وإن لم يشبه واحد منها أو أشبها معاً حلفا إن كانا رشيدين‏,‏ وإلّا فولي غير الرّشيد كل على طبق دعواه‏,‏ ونفى دعوى الآخر‏,‏ وفسخ النّكاح بينهما ونكولهما كحلفهما‏,‏ وبدأت الزّوجة بالحلف لأنّها كالبائع وقضي للحالف على النّاكل‏.‏

وفسخ النّكاح إن اختلفا في الجنس قبل البناء‏,‏ كذهب وثوب وفرسٍ أو بعير مطلقاً أشبها معاً أو أحدهما أو لم يشبها‏,‏ إن لم يرض أحدهما بقول الآخر‏,‏ وإلّا فلا فسخ‏.‏

وإن اختلفا بعد البناء فالقول للزّوج بيمين‏,‏ فإن نكل حلفت وكان القول لها في القدر أو الصّفة‏,‏ وإن لم يشبه‏,‏ كما لو أشبه بالأولى‏,‏ كالطّلاق والموت‏,‏ أي‏:‏ كما أنّ القول للزّوج بيمين إن اختلفا في القدر أو الصّفة قبل البناء بعد الطّلاق والموت أشبه أو لم يشبه‏,‏ فلا يراعى الشّبه وعدمه إلّا قبل البناء من غير طلاق وموت‏.‏

فإن نكل الزّوج في هذه المسائل حلفت الزّوجة وكان القول لها فيما إذا تنازعا بعد البناء أو بعد الطّلاق‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا اختلف الزّوجان في قدر مهر مسمّىً كأن قالت نكحتني بألف‏,‏ فقال بخمسمائة‏,‏ أو في صفته كأن قالت بألف صحيحة فقال بل مكسّرة تحالفا‏,‏ فتحلف الزّوجة أنّه ما نكحها بخمسمائة وإنّما نكحها بألف ويحلف الزّوج أنّه ما نكحها بألف وإنّما نكحها بخمسمائة‏,‏ ويتحالف وارثاهما ووارث واحد منهما والآخر إذا اختلفا فيما ذكر ويحلف الوارث في طرف النّفي على نفي العلم وفي طرف الإثبات على البتّ‏,‏ فيقول وارث الزّوج‏:‏ واللّه لا أعلم أنّ مورّثي نكحها بألف إنّما نكحها بخمسمائة‏,‏ ويقول وارث الزّوجة‏:‏ واللّه لا أعلم أنّه نكح مورّثتي بخمسمائة إنّما نكحها بألف‏,‏ ثمّ بعد التّحالف يفسخ المهر‏,‏ ويجب مهر مثل‏,‏ وإن زاد على ما ادّعته الزّوجة‏.‏ وقيل‏:‏ ليس لها في ذلك إلّا ما ادّعته‏,‏ ولو ادّعت تسميةً لقدر فأنكرها‏,‏ والمسمّى أكثر من مهر المثل تحالفا في الأصحّ لرجوع ذلك إلى الاختلاف في القدر‏,‏ لأنّه يقول‏:‏ الواجب مهر المثل وهي تدّعي زيادةً عليه‏,‏ والثّاني‏:‏ لا تحالف‏,‏ والقول قوله بيمينه لموافقته للأصل‏,‏ ولو ادّعى تسميةً فأنكرتها والمسمّى أقل من مهر المثل فالقياس كما قال الرّافعي والنّووي مجيء الوجهين‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن اختلف الزّوجان في قدر الصّداق فالقول قول الزّوج مع يمينه وهو المذهب‏.‏

وعن أحمد القول قول من يدّعي مهر المثل منهما‏,‏ وعنه‏:‏ يتحالفان‏.‏

وعلى الرّواية بأنّ القول قول من يدّعي مهر المثل منهما لو ادّعى أقلّ منه وادّعت أكثر منه ردّت إليه بلا يمين عند القاضي في الأحوال كلّها‏.‏

وقيل‏:‏ يجب اليمين في الأحوال كلّها‏.‏

وكذا الحكم لو اختلف ورثتهما في قدر الصّداق‏,‏ وكذا لو اختلف الزّوج وولي الزّوجة الصّغيرة في قدره‏.‏

ج - الاختلاف في قبض جزء من المهر‏:‏

57 - إذا اختلف الزّوجان في قبض معجّل المهر كلّه أو بعضه بعد الدخول الحقيقيّ، فإن كان العرف يجري في البلد الّذي حصل فيه الزّواج بتقديم معجّل المهر إلى الزّوجة قبل أن تزفّ إلى زوجها فلا تصدّق الزّوجة في إنكارها ؛ لأنّ العرف يقوم هنا مقام البيّنة للزّوج فتثبت دعواه بالعرف من غير حاجة إلى إثباتٍ آخر‏.‏

هذا هو قول الفقيه أبي اللّيث وقد أخذ به كثير من فقهاء الحنفيّة وخالفه فيه بعض الفقهاء، حيث قالوا‏:‏ إنّ العادة لا تثبت براءة ذمّة الزّوج بل تجعل الظّاهر معه فقط، فللمرأة أن تطالبه بكلّ ما عليه، وعلى الزّوج أن يثبت أنّه أوفاها ما يجب الوفاء به، أو يحلف اليمين‏.‏

وإن لم يوجد عُرف يقضي بدفع معجّل الصّداق قبل الدخول بها، كان الحكم مبناه البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن تنازع الزّوجان في قبض ما حلَّ من الصّداق فقال الزّوج‏:‏ دفعته لك، وقالت‏:‏ لم تدفعه بل هو باق عندك، فقبل البناء القول قولها، وإن كان التّنازع بعده فالقول قوله بيمين، لكن بأربعة شروط‏:‏

الأوّل‏:‏ إن لم يكن العرفُ تأخير ما حلّ من الصّداق، بأن كان عرفهم تقديمه أو لا عرف، لهم فإن كان العرف تأخيره فلا يكون القول قوله بل قولها‏.‏

الثّاني‏:‏ إن لم يكن معها رهن وإلّا فالقول لها لا له‏.‏

الثّالث‏:‏ إن لم يكن الصّداق مكتوباً بكتاب أي وثيقة، وإلّا فالقول لها‏.‏

الرّابع‏:‏ إن ادّعى بعد البناء دفعه لها قبل البناء، فإن ادّعى دفعه بعده فقولها وعليه البيان‏.‏ وأمّا التّنازع في مؤجّل الصّداق فالقول لها كسائر الديون من أنّ من ادّعى الدّفع فلا يبرئُه إلّا البيّنة أو اعتراف من ربّ الدّين‏.‏

وأمّا الشّافعيّة والحنابلة في المذهب فلا يفرّقون بين ما قبل الدخول وبعده، فقالوا‏:‏ إنّ الزّوج إذا أنكر صداق امرأته، وادّعت ذلك عليه، فالقول قولها فيما يوافق مهر المثل سواء ادّعى الزّوج أنّه وفّى لها، أو أبرأته منه أو قال‏:‏ لا تستحق عليّ شيئاً، وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، وبه قال سعيد بن جبير، والشّعبي، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والثّوري، وإسحاق‏.‏

والاختلاف بين أحد الزّوجين وورثة الآخر، أو بين ورثتهما، كاختلاف بين الزّوجين حال حياتهما‏.‏

د - مهر السِّرّ ومهر العَلَن‏:‏

58 - قال الحنفيّة إذا اتّفق المتعاقدان سِرَّاً على مهر قبل العقد، ثمّ تعاقدا علناً على مهر أكثر منه من جنسه، فإن اتّفقا على أنّ المذكور في العقد للسمعة والرّياء فالواجب هو مهر السّرّ‏.‏

وإن اختلفا‏:‏ فادّعى الزّوج أنّهما اتّفقا على مهر السّرّ، وأنكرت الزّوجة ذلك، فإن أقام الزّوج بيّنةً على دعواه، وجب مهر السّرّ، وإن عجز عن إقامة البيّنة فالقول قول الزّوجة، ووجب مهر العلانية ؛ لأنّه المسمّى في العقد‏.‏

وإن اختلف جنس المهر، كأن سمّى في العقد علانيةً بيتاً ليكون مهراً للزّوجة، وكان قد سمّى سراً ألف دينار مهراً، فإن اتّفقا على أنّ مهر العلن للسمعة، وأنّهما قد تواضعا سراً على ألف دينار، فالواجب مهر المثل ؛ لأنّ مهر المثل لم يذكر عند العقد، وكذا مهر العلن لم يتّفق عليه فيرجع إلى الأصل وهو مهر المثل، وإن اختلفا فقال الزّوج‏:‏ اتّفقنا على مهر السِّرّ، وأنكرت الزّوجة ذلك، فإن أقام الزّوج البيّنة وجب مهر السّرّ، وإن عجز عن إقامتها وجب مهر العلن لذكره في العقد‏.‏

وأمّا إذا تمّ العقد سراً على مهر معيّن، ثمّ تعاقدا ثانيةً علانيةً على مهر أكثر منه، فإن اتّفقا أو أشهدا أنّ الزّيادة للسمعة، فالمهر ما ذكر عند العقد في السّرّ، وإن اختلفا ولم يشهدا‏:‏ فيرى أبو حنيفة وكذا محمّد وأبو يوسف في رواية عنهما أنّ المهر الواجب هو مهر العلانية؛ لأنّه المذكور في العقد الثّاني، وهو الظّاهر، ورجّح ابن الهمام هذا الرّأي، ويرى أبو يوسف ومحمّد في رواية أخرى أنّ المهر الواجب هو ما اتّفقا عليه سراً ؛ لأنّه مقصد العاقدين، وما جاء يعتبر لغواً، ما دام لا يقصد به نقض الأوّل، وروي عن أئمّة الحنفيّة غير ذلك‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا اتّفق الزّوجان على صداق بينهما في السّرّ وأظهرا في العلانية صداقاً يخالفه قدراً أو صفةً أو جنساً، فإنّ المعوّل عليه والمعتبر ما اتّفقا عليه في السّرّ سواء كان شهود السّرّ هم شهود العلانية أو غيرهم، خلافاً لأبي حفص بن العطّار من أنّه لا بدّ من إعلام بيّنة السّرّ بما وقع في العلانية، كما في نقل الموّاق عنه، فإن تنازعا وادّعت المرأة على الرّجل أنّهما رجعا عمّا اتّفقا عليه في السّرّ إلى ما أظهراه في العلانية وأكذبها الزّوج كان لها أن تحلّفه على ذلك، فإن حلف عمل بصداق السّرّ، وإن نكل عمل بصداق العلانية بعد حلفها على الظّاهر كما نقله البنانيّ عن ابن عاشر، ومحل حلف الزّوج ما لم تقم بيّنة على أنّ صداق العلانية لا أصل له وإنّما هو أمر ظاهريّ والمعتبر إنّما هو صداق السّرّ، وإلّا عمل بصداق السّرّ من غير تحليفه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو توافق الولي والزّوج أو الزّوجة إذا كانت بالغةً على مهر كان سراً كمائة وأعلنوا زيادةً كمائتين فالمذهب وجوب ما عقد به اعتباراً بالعقد ؛ لأنّ الصّداق يجب به سواء كان العقد بالأقلّ أم بالأكثر‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا كرّر العقد على صداقين سر وعلانية، بأن عقد سراً على صداق وعلانيةً على صداق آخر أخذ بالزّائد سواء كان صداق السّرّ أو العلانية للحوق الزّيادة بالصّداق بعد العقد‏.‏

وإن قال الزّوج هو عقد واحد أسررته ثمّ أظهرته فلا يلزمني إلّا مهر واحد، وقالت الزّوجة بل عقدان بينهما فرقة فالقول قولها بيمينها لأنّ الظّاهر أنّ الثّاني عقد صحيح يفيد حكماً كالأوّل، ولها المهر في العقد الثّاني إن كان دخل بها ونصفه في العقد الأوّل إن ادّعى سقوط نصفه بالطّلاق قبل الدخول ؛ لأنّ الأصل عدم لزومه له، وإن أصرّ على إنكار جريان عقدين بينهما فرقة سئلت فإن ادّعت أنّه دخل بها في النّكاح الأوّل ثمّ طلّقها طلاقاً بائناً ثمّ نكحها نكاحاً ثانياً حلفت على ذلك واستحقّت ما ادّعته، وإن أقرّت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما أقرّت به‏.‏

ولو اتّفقا قبل العقد على مهر وعقداه بأكثر منه أخذ بما عقد به لأنّها تسمية صحيحة في عقد صحيح فوجبت كما لو لم يتقدّمها اتّفاق على خلافها وكعقد النّكاح هزلاً وتلجئةً بخلاف البيع‏.‏

ويستحب أن تفي بما وعدت به وشرطته من أنّها لا تأخذ إلّا مهر السّرّ، لكيلا يحصل منها غرور ولحديث‏:‏ «المسلمون على شروطهم»‏.‏

هـ - اختلاف الزّوجين في المقبوض‏:‏

59 - قال الحنفيّة‏:‏ لو بعث إلى امرأته شيئاً من النّقدين أو العروض أو ممّا يؤكل قبل الزّفاف أو بعده، ولم يذكر جهة الدّفع - مهراً أو غيره - فقالت هو هديّة وقال‏:‏ هو من المهر أو من الكسوة أو عارية فالقول له بيمينه، والبيّنة لها أي إذا أقام كل منهما بيّنةً تقدّم بيّنتها، فإن حلف والمبعوث قائم فلها أن تردّه لأنّها لم ترض به مهراً وترجع بباقي المهر، وذلك في غير المهيّأ للأكل كثياب وشاة حيّة وسمن وعسل وما يبقى شهراً، والقول لها في المهيّأ للأكل كخبز ولحم مشوي لأنّ الظّاهر يكذّبه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو أعطاها مالاً فقالت أعطيته لي هديّةً وقال‏:‏ بل صداقاً، فالقول قوله بيمينه، وإن لم يكن المعطى من جنس الصّداق كان أو غيره لأنّه أعرف بكيفيّة إزالة ملكه فإذا حلف الزّوج، فإن كان المقبوض من جنس الصّداق‏:‏ وقع عنه، وإلّا فإن رضيا ببيعه بالصّداق فذاك، وإلّا استردّه وأدّى لها الصّداق، فإن كان تالفاً فله البدل عليها‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن دفع الزّوج إلى زوجته ألفاً أو دفع إليها عرضاً فقال‏:‏ دفعته صداقاً وقالت‏:‏ هبةً، فالقول قوله مع يمينه لأنّه أعلم بنيّته، ومثله النّفقة والكسوة، لكن إذا كان ما دفعه من غير جنس الواجب عليه فلها رده ومطالبته بصداقها الواجب ؛ لأنّه لا يقبل قوله في المعارضة بلا بيّنة‏.‏

الجهاز ومتاع البيت

60 - المهر حق خالص للزّوجة، تتصرّف فيه كيف تشاء، فليس عليها إعداد البيت، حيث لا يوجد نص من مصادر الشّريعة يوجب على الزّوجة أن تجهّز بيت الزّوجيّة، كما أنّه لا يوجد ما يدل على أنّ الجهاز واجب على أبيها، وليس لأحد أن يجبرها على ذلك، فإذا قامت بالجهاز وما يلزم من أثاث، وأدواتٍ فهي متبرّعة‏.‏

وإعداد البيت واجب على الزّوج، فهو الّذي يجب عليه أن يقوم بكلّ ما يلزم لإعداد مسكن الزّوجيّة من فرشٍ، ومتاع، وأدوات منزليّة، وغير ذلك ممّا يحتاج إليه البيت ؛ لأنّ ذلك من النّفقة الواجبة عليه للزّوجة‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ الصّداق كله ملك للمرأة ولا يبقى للرّجل فيه شيء‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا زاد الزّوج في المهر على مهر المثل - ويقصد من وراء ذلك أن تقوم الزّوجة بإعداد الجهاز - دون أن يفصل الزّيادة عن المهر، فليس عليها مع هذا تجهيز نفسها بقليل أو كثير ؛ لأنّ المهر حق خالص للزّوجة ؛ تعظيماً لشأنها، لا في مقابل ما تزف به إليه من جهاز‏.‏

أمّا إذا دفع لزوجته مالاً فوق مهرها نظير إعداد الجهاز، فتكون الزّوجة ملزمةً بالجهاز في حدود ما دفعه زيادةً على المهر، وإن لم تقم بالجهاز كان له الحق في استرداد ما أعطى، وإذا سكت الزّوج بعد الزّفاف عن المطالبة مدّةً تدل على رضاه، فيسقط حقه، ولا يرجع عليها بشيء‏.‏

أمّا المالكيّة فيرون أنّ المهر ليس حقاً خالصاً للزّوجة، ولهذا لا يجوز لها أن تنفق منه على نفسها، ولا تقضي منه ديناً عليها، وإن كان للمحتاجة أن تنفق منه، وتكتسي بالشّيء القليل بالمعروف، وأن تقضي منه الدّين القليل الدّينار إذا كان المهر كثيراً ؛ لأنّ عليها أن تتجهّز بما جرت به العادة في جهاز مثلها لمثله، بما قبضته من المهر قبل الدخول إن كان حالاً، ولا يلزمها أن تتجهّز بأزيد منه، فإن دخل بها قبل القبض فلا يلزمها التّجهيز، إلّا إذا كان هناك شرطٌ، أو عُرف فيتّبع‏.‏

وعلى هذا فللزّوج أن ينتفع بجهاز زوجته، ما دام الانتفاع في حدود المتعارف عليه بين النّاس‏.‏

المهر حال مرض الموت

61 - فرّق الحنفيّة بين ما إذا تزوّج المريض وكان مديناً، وبين ما إذا تزوّج وكان غير مدين‏.‏

الحالة الأولى‏:‏ إذا كان المريض مديناً‏:‏ فإن تزوّج بمهر المثل جاز، وتُحاصصُ الزّوجة غرماء الصّحّة في مهرها بعد موته إن لم يكن نقدها إيّاه في حياته، فيقسم المال عليها وعليهم على قدر حصصهم، وذلك لأنّ مهرها دين لها على زوجها، فيكون مساوياً لدين الصّحّة، وذلك لوجوبه بأسباب معلومة لا مردّ لها، حيث إنّ النّكاح لمّا جاز في المرض، وهو لا يجوز إلّا بالمهر، كان وجوب المهر ظاهراً معلوماً لظهور سبب وجوبه وهو النّكاح، فلم يكن وجوبه محتملاً، فيتعلّق بماله ضرورةً‏.‏

أمّا إذا نقدها مهرها قبل موته، فلا يسلّم لها المنقود، بل يتبعها ويشاركها فيه غرماؤه في حال الصّحّة بعد وفاته، وتكون أسوة الغرماء، كل على قدر حصّته، وذلك لأنّ حقّهم تعلّق بماله في مرضه، ولو سلّم لها كل مهرها المنقود لبطل حق الغرماء الباقين في عين المال وفي ماليّته ؛ لأنّ ما وصل إليه من المنفعة، لا يصلح لقضاء حقوقهم، فصار وجود هذا العوض في حقّهم وعدمه بمنزلة واحدة، وكان إبطالاً لحقّهم، وليست له ولاية الإبطال‏.‏

ولأنّه أخرج عن ملكه ما تعلّق به حقهم من غير عوض يقوم مقامه في تعلق حقّهم به، فالمهر بدل عن ملك النّكاح وملك النّكاح لا يحتمل تعلق حقّ الغرماء به ؛ لأنّه منفعة، فصار كما إذا قضى دين بعض الغرماء، فلبقيّتهم أن يشاركوه، فكذا هذا‏.‏

أمّا إذا زاد المريض على مهر المثل، فقد قال الإمام محمّد بن الحسن في كتابه الزّيادات‏:‏ يقدّم دين الصّحّة على الزّيادة على مهر مثلها‏.‏

الحالة الثّانية‏:‏ إذا لم يكن المريض مديناً‏:‏ وفي هذه الحالة اعتبروا الزّواج جائزاً من رأس المال إذا كان بمهر المثل ؛ لأنّه صرف لماله في حوائجه الأصليّة، فيقدّم بذلك على وارثه‏.‏ وإنّما قيّد التّزوج بمهر المثل ؛ لأنّ الزّيادة عليه محاباة، وهي باطلة إلّا أن يجيزها الورثة، لأنّ حكمها حكم الوصيّة للزّوجة الوارثة، والوصيّة لا تجوز لوارث إلّا أن يجيزها الورثة، وإن كان النّكاح صحيحاً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى جواز النّكاح في مرض الموت، حيث جاء في الأمّ‏:‏ ويجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحلَّ اللّه تعالى، أربعاً وما دونهنّ، كما يجوز له أن يشتري، لكنّهم فرّقوا فيما يثبت للزّوجة من المهر بين موت الزّوجة وموت الزّوج‏.‏

فإذا ماتت الزّوجة كان لها جميع ما أصدقها به، صداق مثلها من رأس المال، والزّيادة عليه من الثلث، كما إذا وهب لأجنبيّة فقبضته، فإنّه يكون من الثلث‏.‏

أمّا إذا مات الزّوج، فقد فرَّقوا بين ما إذا كانت الزّوجة من أهل الميراث عند موته، وبين ما إذا لم تكن‏:‏

أ - فإن كانت من أهل الميراث عند موته، فينظر‏:‏ إن كان أصدقها بصداق المثل، جاز لها من جميع المال، وإن زاد على صداق المثل، فالزّيادة محاباة‏.‏

فإن صحّ قبل أن يموت، جاز لها مع الزّيادة من جميع المال ؛ لأنّه لمّا صحّ قبل موته، كان كمن ابتدأ نكاحاً وهو صحيح‏.‏

وإن مات قبل أن يصحّ، بطلت الزّيادة على صداق مثلها، وثبت النّكاح، وكان لها الميراث‏.‏

ب - أمّا إذا كانت ممّن لا يرث، كذمّيّة وأمةٍ ثمّ مات وهي عنده، جاز لها جميع الصّداق، صداق مثلها من جميع المال، والزّيادة عليه من الثلث ؛ لأنّها غير وارث، ولو أسلمت الذّمّيّة قبل موته أو عتقت الأمة قبله فصارت وارثاً، بطل عنها ما زاد على صداق المثل‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا تزوّج في مرض الموت بمهر يزيد على مهر المثل ففي المحاباة روايتان‏:‏ إحداهما أنّها موقوفة على إجازة الورثة لأنّها عطيّة لوارث، والثّانية‏:‏ تنفذ من الثلث‏.‏ قال ابن رجب‏:‏ ويحتمل أن يكون مأخذه أنّ الإرث المقارن للعطيّة لا يمنع نفوذها، كما يحتمل أن يقال‏:‏ إنّ الزّوجة ملكتها في حال ملك الزّوج البضع، وثبوت الإرث مترتّب على ذلك‏.‏

وفرّق المالكيّة بين ما إذا تزوّج المريض صحيحةً، وبين ما إذا تزوّج الصّحيح مريضةً، وبين ما إذا تزوّج المريض مريضةً مثله‏.‏

الحالة الأولى‏:‏ إذا تزوّج المريض صحيحةً فقد فرّق المالكيّة بين موته قبل الفسخ وبين موته بعده، فإن مات قبل فسخه، فلها الأقل من الصّداق المسمّى وصداق المثل من ثلث ماله، سواء دخل بها أو لم يدخل‏.‏

أمّا إذا مات بعد فسخه، فينظر‏:‏ إن كان الفسخ قبل موته وقبل الدخول فليس لها شيء من المهر، وإن كان الفسخ قبل موته وبعد الدخول، كان لها المسمّى تأخذه من ثلثه مبدّأ إن مات، ومن رأس ماله إن صحّ‏.‏

الحالة الثّانية‏:‏ إذا تزوّجت المريضة صحيحاً، فلها مهرها المسمّى من رأس المال، سواء زاد على صداق المثل أم لا إن كانت مدخولاً بها، ومثل الدخول موته أو موتها قبل الفسخ والدخول‏.‏

الحالة الثّالثة‏:‏ إذا تزوّج المريض مريضةً مثله‏:‏ فيغلب جانب الزّوج، ويكون حكم المهر إليها حكم ما لو كان الزّوج فقط هو المريض‏.‏

مُهْلة

التّعريف

1 - المهلة في اللغة‏:‏ السّكينة والرّفق، يقال‏:‏ مهل في فعله مهلاً‏:‏ تناوله برفق ولم يعجل، وأمهله‏:‏ لم يعجّله، وأنظره، ورفق به، ومهّله تمهيلاً‏:‏ أجّله‏.‏

ولا يخرج المعنى في الاصطلاح عن معناه في اللغة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الأجل‏:‏

2 - الأجل لغةً‏:‏ مصدر أجلَ الشّيء أجلاً من باب تعب، وأَجَلُ الشّيء‏:‏ مدّته ووقته الّذي يحل فيه‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ قال البركتي‏:‏ هو الوقت المضروب المحدود في المستقبل‏.‏

والعلاقة بين المهلة والأجل هي العموم والخصوص المطلق، فكل مهلة أجل وليس كل أجل مهلةً، فقد يحدّد الشّرع أوقاتاً للحكم كمدّة الحمل والعدّة والحيض والنّفاس دون تأخير في تنفيذه دائماً كما هو الحال في المهلة‏.‏

ب - المدّة‏:‏

3 - المدّة لغةً‏:‏ البرهة من الزّمان يقع على القليل والكثير، والجمع مدد مثل غرفة وغرف‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والعلاقة بين المهلة والمدّة العموم والخصوص المطلق فكل مهلة مدّة وليست كل مدّة مهلةً‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمهلة

يتعلّق بالمهلة أحكام منها‏:‏

أ - إمهال الكفيل‏:‏

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ للحاكم أن يمهل الكفيل مدّةً لإحضار المكفول الغائب في بلد آخر إذا طلب الغريم منه إحضاره وأنّ مدّة الإمهال مقدّرة بمدّة ذهابه وإيابه‏.‏

وشرط جمهورهم من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أن تكون غيبة المكفول في موضع معلوم، وزاد الحنفيّة والشّافعيّة على ذلك أمن الطّريق، وسواء كانت المسافة قريبةً أو بعيدةً عند الحنفيّة والحنابلة‏.‏

وشرط المالكيّة أن يكون المكفول غائباً قريب الغيبة مثل اليوم وشبهه، فإن بعدت فلا إمهال وغرم الكفيل‏.‏

ويرى الشّافعيّة أنّه إن كان السّفر طويلاً أمهل مدّة إقامة السّفر وهي ثلاثة أيّام غير يومي الدخول والخروج، ثمّ إن مضت المدّة المذكورة ولم يحضره حبس‏.‏

ب - إمهال المولي بعد مدّة الإيلاء‏:‏

5 - يرى المالكيّة أنّ الزّوج لا يعد مولياً إذا حلف ليعزلن عن زوجته، أو لا يبيتن، أو ترك الوطء ضرراً وإن غائباً، أو سرمد العبادة بلا ضرب أجل للإيلاء على الأصحّ في الفروع الأربعة خلافاً لمن قال إنّه يكون مولياً في المسائل الأربع فيضرب له أجل الإيلاء، فإن انقضى ولم يف طلّق عليه، لكن الغائب لا بدّ من طول غيبته سنةً فأكثر، ولا بدّ من الكتابة إليه إمّا أن يحضر أو ترحّل امرأته إليه أو يطلّق، فإن امتنع تلوّم له بالاجتهاد وطلّق عليه‏.‏

أمّا الشّافعيّة فإنّ الزّوج إذا حلف أن لا يطأ زوجته مطلقاً أو مدّةً تزيد على أربعة أشهر فهو مول، ويؤجّل له بمعنى يمهل المولي وجوباً إن سألت زوجته ذاك أربعة أشهر، وإذا انتهت مدّة الإيلاء فلا يمهل ليفئ أو يطلّق ؛ لأنّه زيادة على ما أمهله اللّه، والحق إذا حلّ لا يؤجّل ثانياً، إلّا إذا أستمهل لشغل أمهل بقدر ما يتهيّأ لذلك الشّغل، فإن كان صائماً أمهل حتّى يفطر أو جائعاً فحتّى يشبع، أو ثقيلاً من الشّبع فحتّى يخفّ، أو عليه النعاس فحتّى يزول والاستعداد في مثل هذه الأحوال بقدر يوم فما دونه‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ المولي الممتنع من الجماع بعد المدّة يؤمر بالطّلاق وإلّا حبس وضيّق عليه حتّى يطلّق، فإن قال‏:‏ أمهلوني حتّى أصلّي فرضي أو أتغذّى أو ينهضم الطّعام عنّي أو أنام فإنّي ناعسٌ ونحوه أمهل بقدر ذلك ويمهل المحرم حتّى يحلّ‏.‏

وإن كان المولي مظاهراً لم يؤمر بالوطء ويقال له‏:‏ إمّا تكفّر وتفيء وإمّا أن تطلّق، فإن طلب الإمهال ليطلب رقبة يعتقها أو طعاماً يشتريه أمهل ثلاثة أيّام وإن علم أنّه قادر على التّكفير في الحال وإنّما قصده المدافعة لم يمهل، وإن كان فرضه الصّيام لم يمهل حتّى يصوم بل يؤمر أن يطلّق وإن كان قد بقي عليه من الصّيام مدّة يسيرة عرفاً أمهل فيها‏.‏

ج - إمهال الشّفيع لإحضار الثّمن‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ الثّمن إذا لم يكن حاضراً وقت التّملك وطلب الشّفيع أجلاً لنقد الثّمن أمهله القاضي ثلاثاً عند المالكيّة والشّافعيّة‏.‏

وعند الحنفيّة له أن يمهله يوماً أو يومين أو ثلاثاً، وعند الحنابلة له أن يمهله يومين أو ثلاثةً‏.‏

د - إمهال المرتدّ‏:‏

7 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول إلى أنّ المرتدّ يمهل ثلاثة أيّام لاستتابته على الخلاف بين وجوب الاستتابة أو استحبابها، غير أنّ الحنفيّة نصوا على أنّه يستتاب، فإن أبى الإسلام نظر الإمام في ذلك، فإن طمع في توبته أو سأل هو التّأجيل أجّله ثلاثة أيّام، وإن لم يطمع في توبته ولم يسأل هو التّأجيل قتله من ساعته، وهذا في ظاهر الرّواية، وفي النّوادر عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنّه يستحب للإمام أن يؤجّله ثلاثة أيّام طلب ذلك أو لم يطلب‏.‏

وفي الأظهر عند الشّافعيّة لا يمهل وتجب الاستتابة في الحال‏.‏

وتفصيل ذلك في ‏(‏ردّة ف / 35‏)‏‏.‏

هـ - إمهال تنفيذ العقوبة خشية تعدّيها‏:‏

8 - إذا كان تنفيذ العقوبة المستحقّة يخشى منه تعدّيها إلى غير المستحقّ لها، كما إذا كانت المرأة المستحقّة للقتل رجماً أو قصاصاً أو غيرهما حاملاً، أو كان الجاني على ما دون النّفس عمداً موجباً لقصاص فيما دون النّفس مريضاً مرضاً يخشى منه على نفسه، أمهلت الحامل حتّى تضع، والمريض حتّى يبرأ‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح ‏(‏حدود ف / 41 وما بعدها‏)‏‏.‏

و - إمهال المكاتب‏:‏

9 - اتّفق الفقهاء على أنّ المكاتب إذا عجز عند حلول النّجم وكان له مال يرجى أُمْهِل، فقد نصّ الحنفيّة على أنّ الحاكم ينظره يومين أو ثلاثةً ولا يزاد عليها لأنّ في ذلك نظراً للجانبين، والثّلاثة مدّة تضرب لإبلاء الأعذار‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ للحاكم أن يمهل من يرجى يسره‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو استمهل المكاتب سيّده عند حلول النّجم لعجز أستحبّ له إمهاله إعانةً له على تحصيل العتق فإن أمهل السّيّد مكاتبه ثمّ أراد الفسخ فله ذلك ؛ لأنّ الدّين الحالّ لا يتأجّل، وإن كان مع المكاتب عروضٌ وكانت الكتابة غيرها، واستمهل لبيعها أمهله وجوباً ليبيعها لأنّها مدّة قريبة، ولو لم يمهلها لفات مقصود الكتابة فإن لم يمكن بيعها فوراً كأن عرض كساد فله أن لا يزيد في المهلة على ثلاثة أيّام لتضرره بذلك، وهو المعتمد، ومقتضى كلام الإمام عدم وجوب الإمهال، فقد نقل عنه في الرّوضة وأصلها جواز الفسخ وصحّحاه، وإن كان ماله غائباً واستمهل لإحضاره أمهله السّيّد وجوباً إلى إحضاره إن كان غائباً فيما دون مرحلتين لأنّه بمنزلة الحاضر كان غائباً بأن كان على مرحلتين فأكثر فلا يجب الإمهال لطول المدّة‏.‏

وعند الحنابلة إذا عجز المكاتب عن أداء نجم الكتابة، فإذا ذكر أنّ له مالاً غائباً عن المجلس في ناحية من نواحي البلد أو قريب منه لم يجز فسخ الكتابة، وأمهل بقدر ما يتمكّن فيه من الوفاء لقصر مدّته، ويلزم السّيّد إنظاره ثلاثاً لبيع عرض أو لمال غائب مسافة قصر يرجو قدومه ولدين حال على مليء أو قبض مودع‏.‏

ز - إمهال البغاة

10 - أجمع الفقهاء على أنّ أهل البغي إذا سألوا الإمام الإنظار ورجا رجوعهم عمّا هم عليه إلى طريق أهل العدل فعليه أن يمهلهم‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏بغاة ف / 10‏)‏‏.‏

ح - الإمهال في الدّعوى‏:‏

الإمهال في الدّعوى إمّا أن يكون للمدّعي أو للمدّعى عليه، وبيان ذلك فيما يلي‏:‏

إمهال المدّعي

11 - إذا طلب المدّعي مهلةً ليقدّم البيّنة الشّاهدة على ما يدّعيه فإنّ الحنفيّة يرون أنّه لو قال المدّعي‏:‏ لي بيّنة حاضرة لم يستحلف، وقيل لخصمه أعطه كفيلاً بنفسك ثلاثة أيّام كيلا يضيع حقه بتغييبه نفسه، وفيه نظر للمدّعي، وليس فيه كثير ضرر بالمدّعى عليه لأنّ الحضور واجب عليه إذا طلبه وهذا استحسان، والقياس أن لا يلزم الكفيل لأنّ الحقّ لم يجب عليه بعد‏.‏

والتّقدير بثلاثة أيّام مرويّ عن أبي حنيفة رحمه اللّه وهو الصّحيح، وعن أبي يوسف أنّه مقدّر بما بين مجلسي القضاء، حتّى إذا كان يجلس في كلّ يوم يكفل إلى اليوم الثّاني، وإن كان يجلس في كلّ عشرة أيّام يوماً يكفل إلى عشرة‏.‏

فإن أبى لازمه حيث صار‏.‏

والشّافعيّة يرون إمهاله ثلاثة أيّام‏.‏

وقيل‏:‏ عند الشّافعيّة أنّه يمهل أبداً لأنّ اليمين حقه فله تأخيره إلى أن يشاء كالبيّنة‏.‏

وهل الإمهال عندهم واجب أو مستحب ‏؟‏ وجهان‏.‏

أمّا المالكيّة فإنّهم تركوا تقدير مدّة الإمهال إلى القاضي‏.‏

أمّا الحنابلة فإنّ المدّعي لو سأل القاضي ملازمة المدّعى عليه حتّى يقيم البيّنة، أجيب في المجلس، فإن لم يحضرها في المجلس صرفه، ولا يجوز حبسه‏.‏ ولا يلزم بإقامة كفيل، ولو سأله المدّعي ذلك‏.‏

إمهال المدّعى عليه

12 - إذا طلب المدّعى عليه مهلةً ليأتي بحجّة أو ينظر في حسابه، فجمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يرون إمهاله‏.‏

إلّا أنّ المالكيّة أرجعوا تحديد مدّة الإمهال إلى القاضي‏.‏

وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فإنّهم يرون الإمهال ثلاثة أيّام‏.‏

13 - وإذا استُحْلِف المدّعى عليه فطلب الإمهال، فقد نصّ الحنفيّة على أنّ المدّعى عليه بعد عرض القاضي عليه اليمين مرّتين يمهله ثلاثة أيّام، ثمّ إذا جاء بعد ثلاثة أيّام وقال‏:‏ لا أحلف، فإنّ القاضي لا يقضي عليه حتّى ينكل ثلاثةً ويستقبل عليه اليمين ثلاث مرّاتٍ، ولا يعتبر نكوله قبل الاستمهال‏.‏

وذهب الشّافعيّة في قول إلى أنّ المدّعى عليه إذا استُحْلِف فطلب الإمهال لينظر حسابه فإنّ القاضي يمهله ثلاثة أيّام‏.‏

والمعتمد عند الشّافعيّة أنّه لا يمهل إلّا برضا المدّعي لأنّه مقهور على الإقرار واليمين بخلاف المدّعي فإنّه مختار في طلب حقّه وتأخيره‏.‏

14 - إذا طلب المدّعى عليه مهلةً ليقدّم البيّنة المجرِّحة في البيّنة الشّاهدة عليه أمهله القاضي عند جمهور العلماء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وله عند المالكيّة أن يجتهد في تقدير مدّة الإمهال، أمّا الشّافعيّة في المعتمد، والحنابلة فإنّه يمهله ثلاثة أيّام غير يومي الإمهال والعودة عند الشّافعيّة، وفي قول للشّافعيّة أنّه يمهله يوماً فقط‏.‏

15 - وإذا قال المدّعى عليه بعد ثبوت الدّعوى‏:‏ قضيتُه أو أبرأني، وذكر له بيّنةً بالقضاء أو الإبراء وسأل الإنظار أنظر ثلاثاً عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّه إذا ادّعى العبد أداء مال الكتابة وأنكر السّيّد وأراد العبد إقامة البيّنة أمهل ثلاثاً‏.‏

ولكن هل الإمهال واجب أو مستحب ‏؟‏ وجهان أوجههما الوجوب‏.‏

مِهْنة

انظر‏:‏ احتراف‏.‏

مَوات

انظر‏:‏ إحياء الموات‏.‏

مُوَاثَبَة

التّعريف

1 - المواثبة لغةً‏:‏ مصدر واثب، يقال‏:‏ واثبه مواثبةً ووثاباً‏:‏ وثب كل منهما على صاحبه، والثلاثي‏:‏ وثب، ويأتي بمعان يقال‏:‏ وثب يثب وثباً‏:‏ طفر وقفز، ويقال‏:‏ وثب إلى المكان العالي‏:‏ بلغه، والعامّة تستعمله بمعنى‏:‏ المبادرة والمسارعة‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ المواثبة في الشّفعة طلب الشّفعة على وجه السرعة والمبادرة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الطّفر‏:‏

2 - الطّفر لغةً‏:‏ من باب ضرب، يقال‏:‏ طفر طفراً وطفوراً أيضاً، والطّفرة أخص من الطّفر، وهو الوثوب في ارتفاع كما يطفر الإنسان الحائط إلى ما وراءه‏.‏ قاله الأزهري وغيره وزاد المطّرّزي على ذلك فقال‏:‏ ويدل على أنّه وثب خاص قول الفقهاء‏:‏ زالت بكارتها بوثبة أو طفرة، وقيل‏:‏ الوثبة من فوق والطّفرة إلى فوق‏.‏

ب - المبادرة‏:‏

3 - المبادرة لغةً المسارعة، من بابي‏:‏ قعد، وقاتل‏.‏ يقال‏:‏ بادر إلى الشّيء بدوراً، وبادر إليه مبادرةً وبداراً‏:‏ أسرع‏.‏ وتبادر القوم‏:‏ أسرعوا‏.‏

واستعمل الفقهاء المبادرة في طلب الشّفعة لفظ المواثبة‏.‏

والعلاقة بين المبادرة والمواثبة هي أنّ كلّ مواثبة مبادرة وليس كل مبادرة مواثبةً‏.‏

مشروعيّة المواثبة

4 - المواثبة مشروعة لما ورد في الأثر‏:‏ «الشّفعة لمن واثبها»‏.‏

والحكمة من مشروعيّتها في الشّفعة أنّ طلبها ليس لإثبات الحقّ في الشّفعة، بل ليعلم أنّه غير معرض عن الشّفعة‏.‏

وقت طلب المواثبة

5 - اختلف الفقهاء في وقت طلب المواثبة في الشّفعة، هل هي على الفور أو حتّى ينقضي مجلس العلم بالشّفعة أو أنّ وقتها متّسع إلى مدّة محدّدة أو غير محدّدة ‏؟‏ أقوال‏.‏

انظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏شفعة ف / 29 - 32‏)‏‏.‏

الإشهاد على طلب المواثبة

6 - اختلف الفقهاء في أنَّ الإشهاد على طلب المواثبة، هو شرط صحّة لها، أو هو لإثبات الحقّ عند الخصومة على تقدير الإنكار ‏؟‏

انظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏شفعة ف / 33‏)‏‏.‏

موَادَعة

انظر‏:‏ هدنة‏.‏

مَواريث

انظر‏:‏ إرثٌ‏.‏

مواضَعة

انظر‏:‏ وضيعة‏.‏

مُواطأة

انظر‏:‏ تواطؤٌ‏.‏

مَواطِن الإجابة

التّعريف

1 - المواطن جمع الموطن، والموطن‏:‏ اسم المكان من وَطَنَ يقال‏:‏ وَطَنَ فلانٌ بالمكان، وأوطن‏:‏ إذا قام به، وأوطنه أيضاً‏:‏ اتّخذه وطناً‏.‏

والوَطَن‏:‏ المنزل تقيم به، وهو موطنُ الإنسان ومحله‏.‏ ويقال‏:‏ أوطَنَ فلانٌ أرض كذا، أي اتّخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها‏.‏

والموطن أيضاً‏:‏ الموقف والمشهد من مشاهد الحرب‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ‏}‏، وإذا اتّخذ الرّجل مكاناً معلوماً من المسجد مخصوصاً به يصلّي فيه، قيل‏:‏ أوطَنَ فيه، وفي الحديث‏:‏ «نهى النّبي صلى الله عليه وسلم صلّى اللّه عليه وسلّم عن نُقرة الغراب‏,‏ وافتراش السّبع وأن يوطِنَ الرّجل المكان في المسجد كما يوطِنُ البعير»، أي كالبعير لا يأوي من العطن إلّا إلى مبركٍ قد أوطنه واتّخذه مُناخاً‏.‏ والإجابة المقصودة هنا‏:‏ إجابة اللّه تبارك وتعالى دعاءَ الدّاعين‏.‏

ومواطن الإجابة على هذا‏:‏ هي المظانُّ الّتي يغلب على الظّنّ أنَّ من دعا فيها استُجيب له‏.‏

حكم تحرّي الدعاء في مواطن الإجابة

2 - تحرِّي الدعاء في مواطن الإجابة مستحب، ويفهم الاستحباب من مختلف الصّيغ الواردة في الكتاب والسنَّة، كالثّناء على فاعله في مثل قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏}‏، وكالتّخصيص في نحو قوله تعالى في الحديث القدسيّ‏:‏ «من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»، وربّما صرّحت بعض الأحاديث بالأمر المفيد للاستحباب، كما في حديث عمرو بن عبسة أنّه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «أقرب ما يكون الرّب من العبد في جوف اللّيل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممّن يذكر اللّه في تلك السّاعة فكن»‏.‏

قال الغزالي‏:‏ من آداب الدعاء أن يترصَّد لدعائه الأوقات الشّريفة، كيوم عرفة من السّنة، ويوم الجمعة من كلّ أسبوع، ووقت السّحر من ساعات اللّيل‏.‏

وقال النّووي‏:‏ قال أصحابنا - يعني الشّافعيّة - يستحب أن يكثر في ليلة القدر من الدّعوات المستحبَّة، وفي المواطن الشّريفة‏.‏

وقال البهوتي‏:‏ يتحرَّى الدّاعي أوقات الإجابة كالثلث الأخير من اللّيل، وعند الأذان والإقامة‏.‏

3 - وليس معنى كون الزّمان المعيَّن أو المكان المعيَّن موطناً للإجابة أنّ حصول المطلوب بالدعاء متعيِّن بكلّ حال، بل المراد أنّه أرجى من غيره‏.‏

قال ابن حجر في شرح حديث‏:‏ «ينزل ربنا‏.‏‏.‏‏.‏»‏:‏ لا يعترض على ذلك بتخلُّفه عن بعض الدّاعين ؛ لأنّ سبب التّخلُّف وقوع الخلل في شرطٍ من شروط الدعاء، كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس، أو لاستعجال الدّاعي، أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، أو تحصل الإجابة به ويتأخّر وجود المطلوب لمصلحة العبد، أو لأمر يريده اللّه تعالى، ويدل على ذلك حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلّا أعطاه اللّه بها إحدى ثلاث‏:‏ إمّا أن تعجّل له دعوته، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا‏:‏ إذاً نكثر ‏؟‏ قال‏:‏ اللّه أكثر»‏.‏

واللّه تعالى وعد الدّاعي بأن يستجيب له، وعداً مطلقاً غير مقيَّد بزمان أو مكان أو حال، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏، وقال ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‏}‏‏.‏

فإجابته للدعاء في كلّ وقتٍ توجّه إليه فيه العبد بالدعاء، ولذا كان تخصيص موطن معيَّن بالإجابة دالاً على تأكدها فيه، وليس المراد الحصر ونفي الإجابة عمّا عداه‏.‏

أنواع مواطن الإجابة

4 - مواطن الإجابة ثلاثة أنواع‏:‏

أ - أوقات شريفة اختصَّها اللّه تعالى بأن جعلها مواسم لهذه الأمّة تحصّل بها رضوان اللّه تعالى بذكره ودعائه، كما قال تعالى في مناسك الحجّ‏:‏ ‏{‏لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ‏}‏‏.‏

ب - أماكن شريفة خصَّها اللّه تعالى بذلك، وهي مواطن محدودة يكون فيها الدّاعي متلبّساً بعبادة أخرى‏.‏

ج - أحوال معيّنة يرجى فيها قبول الدعاء‏.‏

منها الدعاء عند زحف الصفوف في سبيل اللّه تعالى، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصّلوات المكتوبة‏.‏

والدعاء بعرفة مثال لما اجتمع فيه شرف الزّمان وشرف المكان وشرف الحال‏.‏

قال الغزالي‏:‏ وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الأحوال، إذ وقت السّحر وقت صفاء القلب وإخلاصه، وفراغه من المشوّشات، ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة اللّه عزّ وجلّ‏.‏ قال‏:‏ فهذا أحد أسباب شرف الأوقات، سوى ما فيها من أسرار لا يطّلع البشر عليها‏.‏

وفي كل من هذه المواطن تفصيل بيانه فيما يلي‏:‏

أوّلاً - المواطن الزّمانيّة

أ - ثلث اللّيل الآخر‏:‏

5 - ثلث اللّيل الآخر من مواطن الإجابة، ودليل ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ينزل ربنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر، يقول‏:‏ من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»‏.‏ وفي رواية‏:‏ «حتّى ينفجر الفجر»‏.‏

ونقل ابن حجر عن الزهريّ أنّه قال‏:‏ ولذلك كانوا يفضّلون صلاة آخر اللّيل على أوّله‏.‏ وذهب بعض العلماء إلى أنّ هذا الوقت يبدأ من منتصف اللّيل إلى أن يبقى من اللّيل سدسه، ثمّ يبدأ وقت السّحر، وهو موطن آخر، لما روى عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال‏:‏ «قلت‏:‏ يا رسول اللّه أي اللّيل أسمع ‏؟‏ قال‏:‏ جوف اللّيل الآخر»‏.‏

على أنّه قد ورد من حديث جابر رضي الله عنه قال‏:‏ سمعنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «إنّ في اللّيلة لساعةً لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللّه خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلّا أعطاه إيّاه، وذلك كلّ ليلة»، وهو يعني أنّ اللّيل كلّه مظنَّة إجابة‏.‏

ب - وقت السَّحر‏:‏

6 - السّحر هو آخر اللّيل قبل أن يطلع الفجر‏.‏

وقيل‏:‏ هو من ثلث اللّيل الآخر إلى طلوع الفجر‏.‏

ويرى الغزالي أنّه السدس الأخير من اللّيل‏.‏

قال القرطبي‏:‏ هو وقت ترجى فيه إجابة الدعاء، ونقل عن الحسن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏}‏، قال‏:‏ مدوا الصّلاة من أوّل اللّيل إلى السّحر، ثمّ استغفروا في السّحر‏.‏

ج - بعد الزّوال‏:‏

7 - قال النّووي‏:‏ يستحب الإكثار من الأذكار وغيرها من العبادات عقب الزّوال لما رُوِّينا عن عبد اللّه بن السّائب رضي الله عنه «أنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يصلّي أربعاً بعد أن تزول الشّمس قبل الظهر، وقال‏:‏ إنّها ساعة تفتح فيها أبواب السّماء، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح»‏.‏

د - يوم الجمعة وليلتها وساعة الجمعة‏:‏

8 - ورد الحديث بأنّ «يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشّمس»، وورد حديثٌ في قبول الدعاء يوم الجمعة من غير نظر إلى ساعة الجمعة‏.‏

أمّا ساعة الجمعة، فقال الشّوكاني‏:‏ تواترت النصوص بأنّ في يوم الجمعة ساعةً لا يسأل العبد فيها ربّه شيئاً إلّا أعطاه إيّاه‏.‏

وقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم من طرقٍ عن عدد من الصّحابة رضي الله عنهم ذكر ساعة الإجابة يوم الجمعة، منها ما روى أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر يوم الجمعة فقال‏:‏ «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلّي يسأل اللّه تعالى شيئاً إلّا أعطاه إيّاه‏.‏ وأشار بيده يقلِّلها»‏.‏

وعن أبي لبابة البدريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ يوم الجمعة سيِّد الأيّام وأعظمها عند اللّه‏.‏‏.‏‏.‏ فيه خمس خلال فذكر منهنّ‏:‏ وفيه ساعة لا يسأل اللّه فيها العبد شيئاً إلّا أعطاه ما لم يسأل حراماً»‏.‏

واختلف الفقهاء والمحدّثون في تعيين السّاعة المذكورة على أكثر من أربعين قولاً، عدّدها الشّوكاني، ونقل عن المحبّ الطّبريّ أنّه قال‏:‏ أصح الأحاديث في تعيينها حديث أبي موسى رضي الله عنه أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم يقول في ساعة الجمعة‏:‏ «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصّلاة»، واختار ذلك النّووي أيضاً‏.‏

وأمّا ليلة الجمعة، فقد روي من حديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم قال لعليّ رضي الله عنه‏:‏ «إنّ في ليلة الجمعة ساعةً الدعاء فيها مستجاب»‏.‏ نقله الشّوكاني في تحفة الذّاكرين‏.‏

هـ - أيّام رمضان ولياليه وليلة القدر‏:‏

9 - فضل رمضان معروف‏.‏ واستدلَّ بعضهم لإجابة الدعاء فيه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ثلاثة لا ترد دعوتهم الصّائم حتّى يفطر‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

وأمّا ليلة القدر، فقد ورد فيها عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت‏:‏ «يا رسول اللّه أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها ‏؟‏ قال‏:‏ قولي‏:‏ اللَّهُمَّ إنّك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنّي»‏.‏

وإنّما كانت موطناً ؛ لإجابة الدعاء لأنّها ليلة مباركة تتنزّل فيها الملائكة، جعلها اللّه تعالى لهذه الأمّة خيراً من ألف شهر، وقال تعالى في شأنها‏:‏ ‏{‏لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏، قال الشّوكاني‏:‏ وشرفها مستلزم لقبول دعاء الدّاعين فيها، ولهذا أمرهم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم بالتماسها، وحرّض الصّحابة على ذلك‏.‏

وقد روي ما يدل على أنّ الدعاء فيها مجاب‏.‏

ونقل النّووي عن الشّافعيّ‏:‏ أستحبُّ أن يكون اجتهاده في يومها كاجتهاده في ليلتها‏.‏

ثانياً - المواطن المكانيّة

أ - الملتزم‏:‏

10 - الملتزم هو ما بين الركن الّذي فيه الحجر الأسود وباب الكعبة، جاء عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه كان يلزم ما بين الركن والباب، وكان يقول‏:‏ ما بين الركن والباب، يُدعى الملتزم، لا يلزم ما بينهما أحدٌ يسأل اللّه شيئاً إلّا أعطاه إيّاه‏.‏

ونقل ابن جماعة عن ابن حبيب من المالكيّة أنّ الملتزم الموضع الّذي يُعتَنق ويُلِحُّ الدّاعي فيه بالدعاء، قال‏:‏ وقد سمعت مالكاً يستحب ذلك‏.‏

ب - عرفة‏:‏

11 - نبّه النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام الدعاء في هذا الموطن بقوله‏:‏ «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنّبيُّون من قبلي‏:‏ لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير»، قال الشّوكاني‏:‏ ثبت ما يدل على فضيلة هذا اليوم وشرفه حتّى كان «صومه يكفّر سنتين»، وورد في فضله ما هو معروف، وذلك يستلزم إجابة الدّاعين فيه‏.‏

ج - مشاعر الحجّ‏:‏

12 - الحج من أعظم الأعمال المقرّبة إلى اللّه تعالى، نقل النّووي عن الحسن البصريّ أنّه قال‏:‏ الدعاء هنالك يستجاب في خمسة عشر موضعاً‏:‏ في الطّواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصّفا والمروة، وفي المسعى، وخلف الإمام، وفي عرفاتٍ، وفي المزدلفة، وفي منىً، وعند الجمرات الثّلاث‏.‏

ثالثاً - الأحوال الّتي هي مظنّة الإجابة

أ - الدعاء بين الأذان والإقامة وبعدها‏:‏

13 - الأذان من أعظم الشّعائر، يُذكرُ فيه اللّه تعالى بالتّوحيد، ويُشهد لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالرّسالة، ويُنشر ذلك على رءوس النّاس بالصّوت الرّفيع إلى المدى البعيد، ويُدعى عباد اللّه لإقامة ذكر اللّه، وقد ورد من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ «ثنتان لا تردّان أو قلّما تردّان‏:‏ الدعاء عند النّداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً»‏.‏

وورد من حديث أنسٍ رضي الله عنه أنّه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة»‏.‏

وروي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص‏:‏ «أنّ رجلاً قال‏:‏ يا رسول اللّه إنّ المؤذّنين يفضلوننا، قال‏:‏ قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسلْ تُعْطَه»‏.‏

وورد أيضاً استجابة الدعاء بعد الإقامة، وهو حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ساعتان تفتح فيهما أبواب السّماء‏:‏ عند حضور الصّلاة، وعند الصّفّ في سبيل اللّه»‏.‏

ب - الدعاء حال السجود‏:‏

14 - وإنّما كان السجود مظنّة الإجابة ؛ لأنّ فيه يتمثّل كمال العبوديّة والتّذلُّل والخضوع للّه تعالى، يضع العبد أكرم ما فيه، وهو جبهته ووجهه على الأرض وهي موطئُ الأقدام، تعظيماً لربّه تبارك وتعالى، ومع كمال التّذلل والتّعظيم يزداد القرب والمكانة من ربّ العزّة، فيكون ذاك مظنَّة عود اللّه تعالى على عبده بالرّحمة والمغفرة والقبول، ولهذا قال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ «إنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأمّا الركوع فعظّموا فيه الرّبّ عزّ وجلّ، وأمّا السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم»، وروى أبو هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد فأكثروا الدعاء»‏.‏

ولا فرق في ذلك بين سجود الفرض وسجود النّفل، إلّا ما قاله القاضي من الحنابلة من أنّه لا يستحب الزّيادة على ‏"‏ سبحان ربّي الأعلى ‏"‏ في الفرض، وفي التّطوع روايتان‏.‏

ونصّ المالكيّة والشّافعيّة على أنّه يندب الدعاء في السجود‏.‏

وزاد الشّافعيّة‏:‏ بدينيّ أو دنيوي إن كان منفرداً أو إماماً لمحصورين، أو لم يحصل بالدعاء طول، وإلّا فلا‏.‏

ج - الدعاء بعد الصّلاة المفروضة‏:‏

15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّ ما بعد الصّلاة المفروضة موطن من مواطن إجابة الدعاء ؛ لما روي من حديث مسلم بن الحارث رضي الله عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه أسر إليه فقال‏:‏ «إذا انصرفت من صلاة المغرب، فقل‏:‏ اللَّهُمَّ أجرني من النّار، سبع مرَّاتٍ، فإنّك إذا قلت ذلك ثمّ متَّ من ليلتك كتب لك جوار منها، وإذا صلّيت الصبح فقل كذلك، فإنّك إن متّ في يومك كتب لك جوار منها»‏.‏

وورد ما يدل على أنّ الدعاء في دبر الصّلوات المكتوبة على العموم، فيها أسمع من غيرها، وهو ما روي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «قيل‏:‏ يا رسول اللّه، أيُّ الدعاء أسمعُ ‏؟‏ قال‏:‏ جوف اللّيل الآخر، ودبر الصّلوات المكتوبات»‏.‏

وقد نقل الغزالي عن مجاهد قال‏:‏ إنَّ الصّلوات جعلت في خير الأوقات، فعليكم بالدعاء خلف الصّلوات‏.‏

وروي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ «من صلّى صلاة فريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة»‏.‏

د - حال الصّوم وحال الإفطار من الصّوم‏:‏

16 - أمر اللّه بصوم رمضان، وذكر إكمال العدّة ثمّ قال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ‏}‏‏.‏ وفي ذلك إشارة إلى المعنى المذكور‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ في ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخلّلةً بين أحكام الصّيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدّة، بل وعند كلّ فطر؛ لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول‏:‏ «للصّائم عند إفطاره دعوة مستجابة، فكان عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما إذا أفطر دعا أهله وولده ثمّ دعا» ولما روي أيضاً‏:‏ «إنّ للصّائم عند فطره دعوةً ما تُرَدّ»‏.‏

هـ - الدعاء بعد قراءة القرآن وبعد ختمه‏:‏

17 - دلّ على استجابة الدعاء بعد قراءة القرآن وبعد ختمه ما روي من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول‏:‏ «من قرأ القرآن فليسأل اللّه به، فإنّه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به النّاس»‏,‏ وحديث العرباض بن سارية‏:‏ «من ختم القرآن فله دعوة مستجابة»‏.‏

و - دعوة المسافر‏:‏

18 - السّفر من مواطن الإجابة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ «ثلاث دعواتٍ مستجابات‏:‏ دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»‏.‏ قال ابن علَّان‏:‏ المراد المسافر إن لم يكن عاصياً بسفره كما هو ظاهر، والولد إن كان ظالماً لأبيه عاقاً له‏.‏

ز - الدعاء عند القتال في سبيل اللّه‏:‏

19 - القتال في سبيل اللّه موضع إجابة ؛ لأنّ المجاهد في سبيل اللّه باذلٌ نفسه وماله في مرضاة ربّه، وباذل جهده كلّه لرفع كلمة اللّه تعالى‏.‏

وقد روي من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال‏:‏ «ساعتان تفتح فيهما أبواب السّماء‏:‏ عند حضور الصّلاة، وعند الصّفّ في سبيل اللّه»، وفي رواية قال‏:‏ «وعند البأس حين يُلحِم بعضهم بعضاً»‏.‏

وروي أنّ النّبيّ قال‏:‏ «أطلبوا الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصّلاة ونزول الغيث»‏.‏

ج - حال اجتماع المسلمين في مجالس الذّكر‏:‏

20 - اجتماع المسلمين في مجالس الذّكر من مواطن الإجابة لحديث‏:‏ «لا يقعد قوم يذكرون اللّه عزَّ وجلّ إلّا حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرّحمة، ونزلت عليهم السّكينة، وذكرهم اللّه فيمن عنده»‏.‏ ولحديث‏:‏ «إنّ اللّه تعالى يقول لملائكته‏:‏ قد غفرت لهم، فيقولون‏:‏ ربّ فيهم فلان، عبد خطّاء، إنّما مرّ فجلس معهم، قال‏:‏ فيقول‏:‏ وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم»، ولحديث أمّ عطيّة في خروج النّساء يوم العيد وفيه‏:‏ «يشهدن الخير ودعوة المسلمين»‏.‏ قال الشّوكاني‏:‏ فهذا دليل على أنّ مجامع المسلمين - أي للذّكر - من مواطن الدعاء‏.‏

ط - دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب‏:‏

21 - ورد في استجابة دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب حديث أبي الدّرداء مرفوعاً‏:‏ «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملكٌ موكّل، كلَّما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكّل به‏:‏ آمين، ولك بمثل»‏.‏

ي - دعوة الوالد لولده وعليه‏:‏

22 - ورد في حديث أبي هريرة‏:‏ «ثلاث دعواتٍ مستجابات‏:‏ دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»‏.‏

قال ابن علّان في دعوة الوالد على ولده‏:‏ أي إن كان الولد ظالماً لأبيه عاقاً له‏.‏

ك - دعوة المظلوم ودعوة المضطرّ والمكروب‏:‏

23 - دعوة المظلوم ورد فيها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه»‏.‏

وفي حديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أرسل معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن، فذكر ما أوصاه به، وفيه‏:‏ «واتّق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين اللّه حجاب»، وفي حديث أبي هريرة‏:‏ «دعوة المظلوم يرفعها اللّه فوق الغمام ويفتح لها أبواب السّماء، ويقول الرّب‏:‏ وعزَّتي لأنصرنَّك ولو بعد حين»‏.‏

وأمّا المضطر، فقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ‏}‏‏.‏

وأمّا المكروب الّذي لا يجد له فرجاً إلّا من عند اللّه، فيدل لكونه مجاب الدّعوة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

وفي قوله ‏{‏وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ بيان أنّ هذه الاستجابة عامّة لكلّ من كان في مثل حال يونس عليه السلام من الإخلاص وإفراد اللّه تعالى بالرّجاء والتّوجُه الصّادق‏.‏

ل - الدعاء عند نزول الغيث‏:‏

24 - قال النّووي‏:‏ روى الشّافعي في ‏"‏ الأمّ ‏"‏ بإسناده حديثاً مرسلاً عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصّلاة، ونزول الغيث»‏.‏ قال الشّافعي‏:‏ وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصّلاة‏.‏

وممّا يؤكّد صحّة ذلك ما في بعض روايات حديث سهل بن سعد رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وتحت المطر»‏.‏

م - دعوة المريض‏:‏

25 - المرض من مواطن الإجابة لحديث عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا دخلت على مريض فمره فليدع لك، فإنّ دعاءه كدعاء الملائكة»‏.‏

قال ابن علّان‏:‏ وذلك لأنّه مضطر ودعاؤه أسرع إجابةً من غيره، ونقل عن المرقاة أنّه شبه الملائكة في التّنقّي من الذنوب، أو في دوام الذّكر والتّضرُّع واللّجأ‏.‏

ن - حال أولياء اللّه‏:‏

26 - ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «يقول اللّه تعالى‏:‏ من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليَّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ قال ابن القيّم‏:‏ ولمّا حصلت هذه الموافقة للعبد مع ربّه تعالى في محابّه حصلت موافقة الرّبّ لعبده في حوائجه ومطالبه، أي‏:‏ كما وافقني في مرادي بامتثال أوامري والتّقرُّب إليّ بمحابّي، فأنا أوافقه في رغبته ورهبته فيما يسألني أن أفعل به، ويستعيذني أن يناله مكروه‏.‏

س - حال المجتهد في الدعاء إذا وافق اسم اللّه الأعظم‏:‏

27 - يشهد لذلك حديث بريدة الأسلميّ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو وهو يقول‏:‏ اللَّهُمَّ إنّي أسألك بأنّي أشهد أنّك أنت اللّه لا إله إلّا أنت، الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد‏.‏‏.‏‏.‏ فقال‏:‏ لقد سأل اللّه باسمه الأعظم الّذي إذا سُئل به أعطى وإذا دُعي به أجاب»‏.‏ وفي لفظٍ‏:‏ «والّذي نفسي بيده لقد سأل اللّه باسمه الأعظم»‏.‏

ويشهد لذلك أيضاً حديث أنس بن مالك رضي الله عنه «أنّه كان مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ورجل يصلّي، ثمّ دعا فقال‏:‏ اللَّهُمَّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنَّان بديع السّماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيُّوم، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ تدرون بما دعا ‏؟‏ قالوا‏:‏ اللّه ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ والّذي نفسي بيده، لقد دعا اللّه باسمه العظيم الّذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى»‏.‏

مَواقِيت

التّعريف

1 - المواقيت في اللغة‏:‏ جمع ميقاتٍ، ولفظ ميقاتٍ مصدر ميميّ، وهو يطلق على الزّمان والمكان‏.‏

فالميقات والموقوت بمعنى واحد، وهو الشّيء المحدود زماناً أو مكاناً‏.‏

فمن أمثلته للزّمان قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتاً‏}‏، أي مفروضاً، أو لها وقت كوقت الحجّ‏.‏

ومن استعماله للمكان ما جاء في الحديث «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة»‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

ما يتعلّق بالمواقيت من أحكام

مواقيت الصّلاة

2 - ممّا هو متّفق عليه بين أهل العلم أنّ دخول الوقت من شروط صحّة الصّلاة، ودليل ذلك من الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتاً‏}‏‏.‏

ومن السنّة حديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أمَّني جبريل عليه السلام عند البيت مرّتين، فصلَّى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشّراك، ثمّ صلّى العصر حين كان كل شيء مثل ظلّه، ثمّ صلّى المغرب حين وجبت الشّمس وأفطر الصّائم، ثمّ صلّى العشاء حين غاب الشّفق، ثمّ صلّى الفجر حين برق الفجر وحرم الطّعام على الصّائم، وصلّى المرّة الثّانية الظهر حين كان ظل كلّ شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثمّ صلّى العصر حين كان ظل كلّ شيء مثليه، ثمّ صلّى المغرب لوقته الأوّل، ثمّ صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث اللّيل، ثمّ صلَّى الصبح حين أسفرت الأرض، ثمّ التفتَ إليّ جبريل فقال‏:‏ يا محمّد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين»‏.‏

وتفصيل مواقيت الصّلاة في مصطلح ‏(‏أوقات الصّلاة ف / 3 وما بعدها‏)‏‏.‏

وقت الجمعة

3 - وقت الجمعة عند الحنفيّة، والمالكيّة، والشّافعيّة بعد الزّوال، ولا يجوز أداؤها قبل ذلك‏.‏

ووقت الجمعة عند الحنابلة‏:‏ جوازاً قبل الزّوال‏.‏

وتفصيل ذلك في ‏(‏صلاة الجمعة ف / 10‏)‏‏.‏

وقت صلاة العيدين

4 - ذهب فقهاء الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة، وهو وجه في مذهب الشّافعيّة‏:‏ إلى أنّ أوّل وقت صلاة العيدين بعد طلوع الشّمس وابيضاضها‏.‏

وذهب قوم إلى أنّ أوّل وقتها أوّل طلوع الشّمس، وهو الصّحيح من مذهب الشّافعيّة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏صلاة العيدين ف / 6‏)‏‏.‏

الأوقات الّتي نهي عن الصّلاة فيها

5 - هناك أوقات نهى الشّارع عن الصّلاة فيها أتفق على بعضها، واختلف في بعضها الآخر‏.‏

وتفصيل ذلك في ‏(‏أوقات الصّلاة ف / 23 وما بعدها‏)‏‏.‏

وقت زكاة الفطر

6 - وقت وجوب زكاة الفطر عند الحنفيّة بطلوع الفجر من يوم عيد الفطر، وبه قال مالك في رواية عنه‏.‏

وذهب الشّافعيّة في الأظهر والحنابلة إلى أنّ الوجوب بغروب شمس آخر يوم من رمضان وهو أحد قولين للمالكيّة‏.‏

وتفصيل ذلك في ‏(‏زكاة الفطر ف / 8‏)‏‏.‏

وقت الأضحية

7 - اتّفق الفقهاء على أنّ وقت الأضحية هو يوم العاشر من ذي الحجّة، ولا تجوز قبله‏.‏ واختلفوا في وقت مشروعيّة بدايتها على مذاهب تفصيلها في ‏(‏أضحية ف / 39‏)‏‏.‏

وقت الإهلال بالحجّ

8 - اتّفق الفقهاء على أنّ الإهلال بالحجّ يكون في أشهر الحجّ ؛ لأنّها الميقات الزّمني للحجّ وأشهر الحجّ تبدأ بهلال شوّال‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏حجٌّ ف / 34‏)‏‏.‏

وقت الوقوف بعرفة

9 - الوقوف بأرض عرفة من يوم عرفة هو ميقات زمانيّ ومكانيّ‏.‏

ووقت الوقوف يبدأ من زوال التّاسع من ذي الحجّة، ويستمر إلى قبل فجر العاشر من ذي الحجّة‏.‏

وتفصيله في ‏(‏حجٌّ ف / 55‏)‏‏.‏

وقت المبيت بمزدلفة

15 - مزدلفة‏:‏ ميقات زمانيّ ومكانيّ أيضاً، ووقت المبيت بها يبدأ من بعد غروب يوم التّاسع من ذي الحجّة إلى قبيل طلوع الشّمس من يوم النّحر‏.‏

وتفصيل ذلك في ‏(‏حجٌّ ف / 99‏)‏‏.‏

وقت الرّمي

11 - وقت رمي جمرة العقبة يبدأ وقت السنّيّة فيه من بعد طلوع الشّمس من يوم العاشر من ذي الحجّة إلى وقت الزّوال، وما بعد الزّوال إلى الغروب فعلى الجواز، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم‏.‏

ووقت رمي الجمرات يبدأ من زوال اليوم الحادي عشر ويمتد إلى الغروب‏.‏ وهذا هو السنّة في الرّمي لأيّام التّشريق الثّلاثة‏.‏

وتفصيل ذلك في ‏(‏حجٌّ ف / 60 - 61‏)‏‏.‏

وقت طواف الإفاضة

12 - طواف الإفاضة هو ثاني الركنين المتّفق عليهما بين الفقهاء‏.‏

وقد اختلفوا في أوّل وقت مشروعيّته، كما اختلفوا في نهاية وقته‏.‏

وتفصيله في مصطلح ‏(‏حجٌّ ف / 52 - 55124‏)‏‏.‏

المواقيت المكانيّة في الحجّ

13 - المواقيت المكانيّة ثلاثة‏:‏ مواقيت الآفاقيّين، وميقات الميقاتيّين، وميقات المكّيّين‏.‏ وتفصيل ذلك في ‏(‏إحرام ف / 39 - 41‏)‏‏.‏

مُوالاة

التّعريف

1 - المُوالاة في اللغة‏:‏ المتابعة، يقال‏:‏ والى بين الأمرين مُوالاةً ووِلاءً - بالكسر - تابع بينهما، ويقال‏:‏ أفعل هذه الأشياء على الوِلاء، أي متتابعةً، وتوالى عليهم شهران‏:‏ تتابعا، وتطلق الموالاة في اللغة على المناصرة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

قال الآبي في تعريف الموالاة بين فرائض الوضوء، الموالاة‏:‏ عدم التّفريق الكثير بين فرائض الوضوء، ويسمّى فوراً‏.‏

وقال البركتي‏:‏ الموالاة في الوضوء‏:‏ هي غسل الأعضاء على سبيل التّعاقب بحيث لا يجف العضو الأوّل‏.‏

وقال الكاساني‏:‏ المُوالاة‏:‏ هي أن لا يشتغل المتوضّئُ بين أفعال الوضوء بعمل ليس منه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّرتيب‏:‏

2 - التّرتيب في اللغة‏:‏ جعل كلّ شيء في مرتبته‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد‏.‏ ويكون لبعض أجزائه نسبةً إلى البعض بالتّقدم والتّأخر، وعلى ذلك فالموالاة والتّرتيب متقاربان في المعنى إلّا أنّ الموالاة تختلف عن التّرتيب ؛ لأنّ التّرتيب يكون لبعض الأجزاء نسبةً إلى البعض بالتّقدم والتّأخر بخلاف الموالاة‏.‏

وأنّ الموالاة يشترط فيها عدم القطع والتّفريق‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالموالاة

تتعلّق بالموالاة أحكام منها‏:‏

أ - الموالاة في الوضوء‏:‏

3 - اختلف الفقهاء في الموالاة في الوضوء، فقال الحنفيّة والشّافعيّة في القول الصّحيح الجديد والحنابلة في رواية‏:‏ إنّها سنَّة، وبه قال من الصّحابة عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما ومن التّابعين الحسن وسعيد بن المسيّب والثّوري ؛ لأنّ التّفريق لا يمنع من امتثال الأمر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ‏}‏ الآية، فوجب أن لا يمنع من الإجزاء، وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه توضّأ في السوق، فغسل وجهه ومسح رأسه، ثمّ دعي لجنازة ليصلّي عليها حين دخل المسجد، فمسح على خفّيه، ثمّ صلّى عليها‏.‏

ولأنّه تفريق في تطهير فجاز كالتّفريق اليسير، ولأنّ كلّ عبادة جاز فيها التّفريق اليسير جاز فيها التّفريق الكثير كالحجّ‏.‏

وقال المسعودي من الشّافعيّة‏:‏ إنَّ الشّافعيّ جوّز في القديم تفريق الصّلاة بالعذر إذا سبقه الحدث، فيتوضّأ ويبني، فالطّهارة أولى‏.‏

وقال الماورديّ‏:‏ إنّ الموالاة في الوضوء أفضل ومتابعة الأعضاء أكمل انقياداً لما يقتضيه الأمر من التّعجيل، واتّباعاً لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم، فإن فرّق فالتّفريق ضربان‏:‏ قريب وبعيد‏:‏

فالقريب‏:‏ معفو عنه لا تأثير له في الوضوء، وحدّه ما لم تجفّ الأعضاء مع اعتدال الهواء في غير برد ولا حر مشتد، وليس الجفاف معتبراً وإنّما زمانه هو المعتبر ؛ ولأنّه لا يمكن الاحتراز منه‏.‏

وأمّا البعيد‏:‏ فهو أن يمضي زمان الجفاف في اعتدال الهواء، ففيه قولان‏:‏ أحدهما - وهو الجديد -‏:‏ أنّه جائزٌ، والوضوء معه صحيح، والثّاني - وهو القديم -‏:‏ لا يجوز، والوضوء معه غير صحيح‏.‏

وقال السيوطيّ‏:‏ الموالاة سنّة على الأصحّ في الوضوء والغسل والتّيمم‏.‏‏.‏‏.‏ وبين أشواط الطّواف والسّعي والجمع بين الصّلاتين في وقت الثّانية‏.‏

وقيل‏:‏ الموالاة واجبة في كلّ ما سبق‏.‏

وقال‏:‏ إنّها واجبة على الأصحّ في الجمع في وقت الأولى، وبين طهارة دائم الحدث وصلاته، وبين كلمات الأذان والإقامة، وبين الخطبة وصلاة الجمعة، وتجب الموالاة قطعاً بين كلمات الفاتحة، والتّشهد وردّ السّلام‏.‏

وقال المالكيّة، والشّافعيّة في القول القديم، والحنابلة في المذهب‏:‏ إنّها واجبة، وبه قال من الصّحابة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ومن الفقهاء الأوزاعي ؛ لأنّ مطلق أمر اللّه تعالى بالوضوء في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ‏}‏، يقتضي الفور والتّعجيل، وذلك يمنع من التّأجيل ؛ ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم توضّأ على الولاء ثمّ قال‏:‏ «هذا وضوء من لا يقبل اللّه منه صلاةً إلّا به»، يعني بمثله في الولاء، وروى جابر عن عمر رضي الله عنه «أنّ رجلاً توضّأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النّبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ ارجع فأحسن وضوءك ‏"‏ فرجع ثمّ صلّى»‏.‏

وقال الدسوقي‏:‏ من غير تفريق كثير ؛ لأنّ التّفريق اليسير لا يضر مطلقاً سهواً كان أو عجزاً أو عمداً، وإذا لم يضرّ التّفريق اليسير فيكره إن كان عمداً على المعتمد، واليسير مقدّر بعدم الجفاف‏.‏

وأمّا النّاسي والعاجز فلا تجب الموالاة في حقّهما، وحينئذٍ إذا فرّق ناسياً أو عاجزاً، فإنّه يبني مطلقاً سواء طال أم لا، لكن النّاسي يبني بنيّة جديدة، وأمّا العاجز فلا يحتاج لتجديد نيّته‏.‏

ب - الموالاة في الغُسل‏:‏

4 - اختلف الفقهاء في الموالاة في الغُسل، فقال جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة على الجديد المشهور والحنابلة‏:‏ إنّها سنّة في الغُسل بين غسل جميع أجزاء البدن لفعله صلى الله عليه وسلم، ولا تجب الموالاة في الغُسل ؛ لأنّ البدن شيء واحد، وقال الشّافعيّة في وجهٍ والحنابلة‏:‏ إن فاتت الموالاة قبل إتمام الغُسل بأن جفّ ما غسله من بدنه بزمان معتدل وأراد أن يتمّ غسله جدّد النّيّة لإتمامه وجوباً لانقطاع النّيّة بفوات الموالاة، فيقع غسل ما بقي بدون نيّة‏.‏

وقال بعض الشّافعيّة‏:‏ لا يضر تفريق الغسل قطعاً بلا خلاف‏.‏

وقال بعض الحنفيّة‏:‏ إن فرّقه لعذر، بأن فرغ ماء الوضوء أو انقلب الإناء فذهب لطلب الماء وما أشبهه فلا بأس بالتّفريق على الصّحيح‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّ الموالاة فرضٌ في الغُسل، قال الدسوقي‏:‏ أمّا الموالاة، فالظّاهر من المذهب أنّها واجبة كنيّة في الوضوء عندهم إن قدر وذكر، فإن فرّق عامداً بطل إن طال، وإلّا بنى على ما فعل بنيّة، أمّا النّاسي والعاجز فلا تجب الموالاة في حقّهما، وحينئذٍ إذا فرّق ناسياً أو عاجزاً فإنّه يبني مطلقاً سواء طال أم لا، لكن النّاسي يبني بنيّة جديدة، وأمّا العاجز فلا يحتاج لتجديد نيّة‏.‏

ج - الموالاة في التّيمم‏:‏

5 - اختلف الفقهاء في الموالاة في التّيمم، فقال الحنفيّة والشّافعيّة في الجديد والحنابلة في إحدى الرّوايتين إنّها سنّة‏.‏

وقال المالكيّة والشّافعيّة في القديم‏:‏ إنّها واجبة‏.‏

كما تجب عند الشّافعيّة الموالاة في تيمم دائم الحدث ووضوئه تخفيفاً للمانع ؛ لأنّ الحدث يتكرّر وهو مستغن عنه بالموالاة‏.‏

والمذهب عند الحنابلة أنّ الموالاة في التّيمم فرضٌ في الطّهارة الصغرى، أمّا في الكبرى فلا يعتبر فيه ترتيب ولا موالاة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏تيمم ف / 30‏)‏‏.‏

د - الموالاة بين كلمات الأذان والإقامة‏:‏

6 - اختلف الفقهاء في حكم الموالاة بين ألفاظ الأذان والإقامة‏.‏

فذهب الشّافعيّة والمالكيّة والشّافعيّة في قول إلى أنّ الموالاة بين ألفاظ الأذان والإقامة سنّة‏.‏ وذهب الشّافعيّة في الأصحّ والحنابلة إلى أنّها واجبة‏.‏

واختلفوا في الفصل الّذي يقطع الموالاة‏.‏

فيرى جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‏"‏ أنّه يكره الفصل بين ألفاظ الأذان والإقامة ولو بردّ سلام أو تشميت عاطسٍ أو نحوهما ؛ لما فيه من ترك سنّة الموالاة، ولأنّه ذكر معظّم كالخطبة، فلا يسع ترك حرمته، فإن تكلّم استأنفه، إلّا إذا كان الكلام يسيراً، فإنّه لا يستأنف عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وزاد المالكيّة والشّافعيّة أنّه إذا أضطرّ المؤذّن للكلام، مثل أن يخاف على صبي أو دابّة أو أعمى أن يقع في بئر، فإنّه يتكلّم ويبني‏.‏

وفي قول عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه لا يضر كلام وسكوت طويلان بين كلمات الأذان والإقامة كغيرهما من الأذكار، وهذا إذا لم يفحش الطول، فإن فحش بحيث لا يسمّى مع الأوّل أذاناً في الأذان ولا إقامةً في الإقامة استأنف جزماً‏.‏

وقيل‏:‏ يضر كثير الكلام دون كثير السكوت‏.‏

وللحنابلة تفصيل فقالوا‏:‏ ولا يصح الأذان، وكذا الإقامة، إلّا متوالياً عرفاً ؛ لأنّه لا يحصل المقصود منه، وهو الإعلام بدخول الوقت بغير موالاة، وشرع في الأصل كذلك، بدليل أنّه «صلى الله عليه وسلم علَّمَ أبا محذورة الأذان مرتّباً متوالياً»‏.‏ فلو فرّق بينه بسكوت طويل، ولو بسبب نوم أو إغماء أو جنون، أو فرّق بينه بكلام كثير لم يعتدّ به لفوات الموالاة، ولو فرّق بينه بكلام محرّم، كسبّ وقذف ونحوهما وإن كان يسيراً لم يعتدّ به ؛ لأنّه قد يظنه سامعه متلاعباً أشبه المستهزئ، ولو ارتدّ في أثنائه لم يعتدّ به لخروجه عن أهليّة الأذان‏.‏

ويكره في الأذان سكوت يسير بلا حاجة وكره فيه كلام مباح يسير بلا حاجة فإن كان لها لم يكره ؛ لأنّ سليمان بن صرد رضي الله عنه - وله صحبة - كان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه‏.‏

وله رد سلام في الأذان والإقامة ولا يبطلان به، ولا يجب الرّد ؛ لأنّ ابتداء السّلام إذن غير مسنون‏.‏

هـ - الموالاة بين كلمات الفاتحة‏:‏

7 - قال المالكيّة‏:‏ يكره الدعاء في الصّلاة المفروضة قبل قراءة الفاتحة وبعدها وأثنائها بأن يخلّلها به ؛ لاشتماله على الدعاء، ولا يكره في النّفل‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ تجب الموالاة بين كلمات الفاتحة بأن يصل الكلمات بعضها ببعض ولا يفصل إلّا بقدر التّنفس للاتّباع مع خبر‏:‏ «صلوا كما رأيتموني أصلّي»، فلو أخلّ بها سهواً لم يضرّ كترك الموالاة في الصّلاة بأن طوّل ركناً قصيراً ناسياً، بخلاف ما لو ترك الفاتحة سهواً فإنّه يضر ؛ لأنّ الموالاة صفة والقراءة أصل، فإن تخلّل ذكر أجنبيّ لا يتعلّق بالصّلاة قطع الموالاة وإن قلّ كالتّحميد عند العطاس وإجابة المؤذّن والتّسبيح للدّاخل ؛ لأنّ الاشتغال به يوهم الإعراض عن القراءة فليستأنفها، هذا إن تعمّد، فإن كان سهواً فالصّحيح المنصوص أنّه لا يقطع بل يبني‏.‏

وقيل‏:‏ إن طال الذّكر قطع الموالاة وإلّا فلا‏.‏

فإن تعلّق بالصّلاة كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه إذا توقّف فيها فلا يقطع الموالاة في الأصحّ لندب ذلك للمأموم في الأصحّ، والثّاني يقطعها لأنّه ليس مندوباً كالحمد عند العطاس وغيره، ومحل الخلاف في العامد، فإن كان ساهياً لم يقطع ما ذكر جزماً‏.‏

ويقطع الموالاة السكوت العمد الطّويل لإشعاره بالإعراض مختاراً كان أو لعائق لإخلاله بالموالاة المعتبرة، أمّا النّاسي فلا يقطع على الصّحيح، وكذا يقطع يسير قصد به قطع القراءة في الأصحّ لتأثير الفعل مع النّيّة كنقل الوديعة بنيّة الخيانة، فإنّه يضمن، وإن لم يضمن بأحدهما منفرداً، والثّاني لا يقطع ؛ لأنّ قصد القطع وحده لا يؤثّر، والسكوت اليسير وحده لا يؤثّر أيضاً، فكذا إذا اجتمعا، فإن لم يقصد القطع ولم يطل السكوت لم يضرّ كنقل الوديعة بلا نيّة تعد، وكذا إن نوى قطع القراءة ولم يسكت‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن قطع قراءة الفاتحة بذكر من دعاء أو قراءة أو سكوتٍ يسيراً أو فرغ الإمام من الفاتحة في أثناء قراءة المأموم قال ‏"‏ آمين ‏"‏ ولا تنقطع قراءته ؛ لقول أحمد‏:‏ إذا مرّت به آية رحمة سأل، وإذا مرّت به آية عذاب استعاذ، وإن كثر ذلك استأنف قراءتها، إلّا أن يكون السكوت مأموراً به كالمأموم يشرع في قراءة الفاتحة ثمّ يسمع قراءة الإمام فينصت له، فإذا سكت الإمام أتمّ قراءتها وأجزأه، أومأ إليه أحمد، وكذلك إن كان السكوت نسياناً أو نوماً أو لانتقاله إلى غيرها غلطاً لم يبطل، فمتى ذكر أتى بما بقي منها، فإن تمادى فيما هو فيه بعد ذكره أبطلها، ولزمه استئنافها كما لو ابتدأ بذلك، فإن نوى قطع قراءتها من غير أن يقطعها لم تنقطع ؛ لأنّ فعله مخالف لنيّته، والاعتبار بالفعل لا بالنّيّة، وكذا إن سكت مع النّيّة سكوتاً يسيراً لما ذكرناه من أنّه لا عبرة بالنّيّة فوجودها كعدمها، وذكر القاضي في الجامع أنّه متى سكت مع النّيّة أبطلها، ومتى عدل إلى قراءة غير الفاتحة عمداً أو دعاءً غير مأمور به بطلت قراءته، ولم يفرّق بين قليل أو كثير، وإن قدّم آيةً منها في غير موضعها عمداً أبطلها، وإن كان غلطاً رجع إلى موضع الغلط فأتمّها‏.‏

و - الموالاة بين كلمات التّشهد‏:‏

8 - قال الشّافعيّة‏:‏ تجب الموالاة بين كلمات التّشهد، صرّح بذلك المتولّي‏.‏ قال ابن الرّفعة‏:‏ وهو قياس الفاتحة‏.‏

ز - الموالاة في تكبيرات صلاة العيد‏:‏

9 - اختلف الفقهاء في الموالاة في تكبيرات صلاة العيد أو الفصل بينها بشيء من التّحميد والتّسبيح ونحو ذلك‏.‏

فذهب الحنفيّة‏,‏ والمالكيّة إلى أنّه يوالي بينها كالتّسبيح في الركوع والسجود، قالوا‏:‏ لأنّه لو كان بينها ذكر مشروع لنقل كما نقل التّكبير، وبه قال ابن مسعود وحذيفة وأبو موسى وأبو مسعود البدري رضي الله عنهم وابن سيرين والثّوري والأوزاعي والحسن‏.‏

قال السّرخسي‏:‏ وإنّما قلنا بالموالاة بين القراءتين ؛ لأنّ التّكبيرات يؤتى بها عقب ذكر هو فرضٌ، ففي الرّكعة الأولى يؤتى بها عقب تكبيرة الافتتاح، وفي الثّانية عقب القراءة ؛ ولأنّه يجمع بين التّكبيرات ما أمكن، ففي الرّكعة الأولى يجمع بينها وبين تكبيرة الافتتاح، وفي الثّانية يجمع بينها وبين تكبيرة الركوع، ولم يبيّن مقدار الفصل بين التّكبيرات في الكتاب‏.‏

وروي عن أبي حنيفة في مقدار الفصل بين التّكبيرات أنّه قال‏:‏ يسكت بين كلّ تكبيرتين بقدر ثلاث تسبيحاتٍ‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ يفصل بين التّكبيرات بذكر مسنون، فقال الشّافعي وأصحابه‏:‏ يستحب أن يقف بين كلّ تكبيرتين من الزّوائد قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة، يهلّل اللّه تعالى ويكبّره ويحمده ويمجّده، واختلف أصحاب الشّافعيّ فيما يقوله بين التّكبيرتين فقال جمهور أصحاب الشّافعيّ‏:‏ يقول‏:‏ سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، وقال بعضهم‏:‏ يقول‏:‏ لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنّه يفصل بينها، بقول‏:‏ اللّه أكبر كبيراً والحمد للّه كثيراً وسبحان اللّه بكرةً وأصيلاً وصلّى اللّه على محمّد وآله وسلّم كثيراً‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ يقول ‏"‏ سبحانك اللّهُمَّ وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك وجلّ ثناؤك ولا إله غيرك ‏"‏ ولا يأتي بهذا الذّكر بعد السّابعة والخامسة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إنّه يحمد اللّه ويثني عليه ويصلّي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين كلّ تكبيرتين، وإن أحبّ قال‏:‏ اللّه أكبر كبيراً والحمد للّه بكرةً وأصيلاً، وصلّى اللّه على محمّد النّبيّ الأمّيّ وعليه السّلام‏.‏ وإن أحبّ قال‏:‏ سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، أو ما شاء من الذّكر‏.‏

ج - الموالاة في جمع التّقديم بين الصّلاتين‏:‏

10 - قال جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة في ظاهر الرّواية والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏‏:‏ تشترط الموالاة في جمع التّقديم بين الصّلاتين بأن لا يفصل بينهما فاصل طويل ؛ لأنّ الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، فوجب الولاء كركعات الصّلاة، أي فلا يفرّق بينهما كما لا يجوز أن يفرّق بين الرّكعات في صلاة واحدة، فإن فصل بينهما بفصل طويل ولو بعذر كسهو أو إغماء بطل الجمع ووجب تأخير الصّلاة الثّانية إلى وقتها لفوات الجمع، وإن فصل بينهما بفصل يسير لم يضرّ كالفصل بينهما بالأذان والإقامة والطّهارة ؛ لما ورد عن أسامة رضي الله عنه‏:‏ «إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جاء المزدلفة فتوضّأ فأسبغ، ثمّ أقيمت الصّلاة فصلّى المغرب، ثمّ أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثمّ أقيمت الصّلاة فصلّى، ولم يصلّ بينهما»‏.‏

وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّه يستثنى من الموالاة سنّة الظهر، وذهب بعضٌ آخر إلى استثناء تكبيرات التّشريق‏.‏

وذهب بعض الشّافعيّة إلى أنّه يجوز الجمع بين الصّلاتين - جمع تقديم - وإن طال بينهما الفصل ما لم يخرج وقت الأولى منهما‏.‏

ط - الموالاة بين أشواط الطّواف‏:‏

11 - ذهب المالكيّة والحنابلة، والشّافعيّة في قول إلى أنّ الموالاة بين أشواط الطّواف واجبة، فإن ترك الموالاة وطال الفصل ابتدأ الطّواف، وإن لم يطل بنى، ولا فرق بين ترك الموالاة عمداً وسهواً، مثل من يترك شوطاً من الطّواف يحسب أنّه قد أتمّه ؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم والى بين طوافه وقال‏:‏ «خذوا عنّي مناسككم»، ولأنّه صلاة، قال النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الطّواف بالبيت صلاة»، فاشترطت لها الموالاة كالصّلاة، ويرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف من غير تحديد‏.‏

وقال الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ‏:‏ إنّ الموالاة سنّة ؛ «لأنّه صلى الله عليه وسلم والى طوافه»‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّ التّفريق بين الأشواط تفريقاً كثيراً مكروه‏.‏

ي - الموالاة بين أشواط السّعي‏:‏

12 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الموالاة بين أشواط السّعي مستحبّة، فلو فرّق بينها تفريقاً كثيراً كره واستحبّ له أن يستأنف‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّها سنّة‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة في المعتمد‏:‏ إنَّ الموالاة بين أشواط السّعي شرطٌ لصحّة السّعي‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏سعيٌ ف / 23‏)‏‏.‏

ك - الموالاة في رمي الجمرات‏:‏

13 - الموالاة في الجمرات بين الرّميات السّبع سنّة بحيث لا يزيد الفصل بينها عن الذّكر الوارد فيما بينها‏.‏

ل - الموالاة في تغريب الزّاني‏:‏

14 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّ الموالاة في تغريب الزّاني شرطٌ ولو رجع إلى بلد غرّب منه أستؤنفت المدّة ليتوالى الإيحاش حتّى يكمل له الحول مسافراً‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه إن عاد قبل مضيّ الحول أعيد تغريبه حتّى يكمل الحول مسافراً ويبني على ما مضى‏.‏

م - الموالاة بين كلمات اللّعان‏:‏

15 - يشترط الموالاة في اللّعان بين الكلمات الخمس الواردة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ،عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ،وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏، فيؤثِّر الفصل الطّويل لأنّهم جعلوها كالشّيء الواحد، والواحد لا تفرّق أجزاؤه كما في الصّلاة المؤلّفة من ركعاتٍ‏.‏

ن - الموالاة في البيع بين الإيجاب والقبول‏:‏

16 - ذهب جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‏"‏ إلى أنّ الموالاة لا تشترط في الإيجاب والقبول، ولا يضر تراخي القبول عن الإيجاب ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ الموالاة بين الإيجاب والقبول في العقد شرطٌ، ويشترط أن لا يطول الفصل بينهما، فإن طال ضرّ ؛ لأنّ طول الفصل يخرج الثّاني عن أن يكون جواباً عن الأوّل، فكل ما يشترط فيه القبول من العقود فعلى الفور، أي أن يكون عقب الإيجاب، ولا يضر عندهم الفصل اليسير‏.‏

وانظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏عقد ف / 24‏)‏‏.‏

س - الموالاة في الاستثناء في اليمين‏:‏

17 - يشترط لصحّة الاستثناء في اليمين الموالاة بحيث يكون الاستثناء متّصلاً بالكلام السّابق، فلو فصل عنه بسكوت كثير بغير عذر أو بكلام أجنبي لم يصحّ الاستثناء فلا يخصّص ما قبله إن كان استثناءً بنحو إلّا‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏استثناء ف / 16‏)‏‏.‏

ع - الموالاة في ردّ السّلام‏:‏

18 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يجب رد السّلام على الفور‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ إذا أخّر ردّ السّلام لغير عذر كره تحريماً ولا يرفع الإثم بالرّدّ بل بالتّوبة‏.‏ وقال الزّركشي والسيوطي‏:‏ ممّا تجب فيه الموالاة‏.‏‏.‏ الموالاة في ردّ السّلام‏.‏

ف - التّخلل القاطع للموالاة‏:‏

19 - قال السيوطيّ نقلاً عن ابن السبكي‏:‏ الضّابط في التّخلل المضرّ في الأبواب أن يُعدّ الثّاني منقطعاً عن الأوّل‏.‏

هذا يختلف باختلاف الأبواب، فربّ باب يطلب فيه من الاتّصال ما لا يطلب في غيره، وباختلاف المتخلّل نفسه، فقد يغتفر من السكوت ما لا يغتفر من الكلام، ومن الكلام المتعلّق بالعقد ما لا يغتفر من الأجنبيّ، ومن المتخلّل بعذر ما لا يغتفر في غيره، فصارت مراتب أقطعها للاتّصال كلام كثير أجنبيّ، وأبعدها عنه سكوت يسير لعذر وبينهما مراتب لا تخفى‏.‏

مَوْت

التّعريف

1 - الموت في اللغة‏:‏ ضدّ الحياة‏.‏ يقال‏:‏ ماتَ يموتُ فهو مَيِّت ومَيْت ومن أسمائه‏:‏ المَنُون، والمَنَا، والمَنيَّة، والشَّعُوب، والسَّام، والحِمَام، والحَيْن، والرّدى، والهلاك، والثُكل، والوفاة، والخَبَال‏.‏

وفي مقاييس اللغة‏:‏ الميم والواو والتّاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ذهاب القوّة من الشّيء، ومنه الموت، خلاف الحياة‏.‏

والموت في الاصطلاح هو‏:‏ مفارقة الروح للجسد‏.‏ قال الغزالي‏:‏ ومعنى مفارقتها للجسد انقطاعُ تصرفها عن الجسد، بخروج الجسد عن طاعتها‏.‏